للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوى عن مَشْيَخةِ بلدِه، ثم رَحَلَ وحَجَّ، وحمَلَ عن أبي الطاهر الخُشُوعيِّ "مقاماتِ الحَرِيري" سَماعًا لثلاثينَ منها وإجازةً لسائرِها، وكتب هنالك الحديث، وجاوَرَ بالقُدس ورَوى فيه عن أبي الحَسَن بن جميل المالَقيّ، وجاوَرَ بغيرِه، واستقَرَّ بمِصرَ (١).

رَوى عنه أبو عَمْرو بنُ سالم. وكان شاعرًا مُجِيدًا بارعَ التشبيهاتِ نبيلَ المقاصِد ولا سيَّما في المُقَطَّعات، فله في نَظْمِها الشَّأوُ الذي لا يُدرَك، ولمّا عُرِفَ بالمشرِق حَظِيَ عندَ أهلِه واحتَفَلوا في بِرِّه والقيام بحقِّه، واعتَرفوا بفَضْلِه؛ وممّا شاع من شعرِه قولُه في وَصْفِ سِنْديّ (٢) [الكامل]:

ومُنوَّع الحرَكاتِ يلعَبُ بالنُّهى ... لبِسَ المحاسنَ عندَ خَلْع لِباسِهِ

متأوِّدٌ كالغُصنِ عند كثيبِهِ ... متلاعبٌ كالظَّبي عند كِنَاسِهِ

بالعقل يلعَبُ مُقبِلًا أو مُدبِرًا ... كالدّهرِ يلعَبُ كيف شاء بناسِهِ

ويضُمُّ للقدَمَيْنِ منه رأسَهُ ... كالسيفِ ضُمَّ ذُبابُهُ لرِيَاسِهِ

وهذا من التشبيهاتِ العُقْم على قلبٍ فيه تُمكِن تسويتُه بوَجْه ما.

ومنه يَستهدي كَبْشًا (٣) [المجتث]:

يامَن حوى كلَّ مَجْدٍ ... بِجِدِّهِ وبجَدِّهْ

أتاك نَجلُ خَروفٍ ... فامنُنْ عليه بجَدِّهْ

ومنه في قَوْس عربيّة دارت بيدِ شابّ وسيم فأصابَتْ إحدى ثناياه فكسَرَتْها [البسيط]:

بعدًا لناحلةٍ زَوْراءَ مُزْرِيةٍ ... بالبابليّةِ ذات الغُنْج والحَوَرِ


(١) في هامش ح: "قفل ابن خروف هذا من رحلته الأولى فأقام بقرطبة يسيرًا ثم عاد إلى المشرق".
(٢) الأبيات في صلة الصلة ٤/الترجمة ٢٤٦.
(٣) أوردهما في زاد المسافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>