للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحَرّارُ وابنُ عليّ بن سِتَاري وابنُ عليّ بن أبي قُرّة، وأبو عَمْرو عبدُ الواحِد بن تَقِيّ، وأبو عبد الرّحمن عبدُ الله بن القاسم بن زغْبُوش، وأبو محمدٍ عبدُ الحقّ بن حَكَم. وحدَّثنا عنه من شيوخِنا: آباءُ الحَسَن: الرُّعَيْنيُّ والجَيّانيُّ وابنُ الضايع، وأبو الحُسَين بن أبي الرّبيع، وأبو عبد الله بن أُبَيّ، وأبو عليّ بن منصُور الجَنْب.

وكان ذا معرِفة بالقراءات، حاملًا للآدابِ واللُّغات، آخِذًا بطَرَفٍ صالح من روايةِ الحديث، متقدِّمًا في العربيّة كبيرَ أَساتيذِها بإشبيلِيَةَ، مبرِّزًا في تحصيلِها مستبحِرًا في معرفتِها، متحقِّقًا بها، حَسَنَ الإلقاءِ لها والتعبيرِ عن أغراضِها، وله فيها مصنَّفاتٌ نافعة وتنبيهاتٌ نبيلة وشروحٌ واستدراكاتٌ وتكميلات، تصَدَّر لتدريسِها بعدَ الثمانينَ وخمس مئة مُدّةً طويلةً نحوَ ستينَ عامًا، وإليه كانت الرِّحلةُ فيها، واستفادَ بسبب ذلك جاهًا عريضًا ومالًا عظيمًا وذِكْرًا شائعًا. وذكَرَ لي غيرُ واحد ممّن لقِيتُه أنه كان يَبلُغُ أحيانًا مستفادُهُ من الطَّلبة أربعةَ آلافِ درهم في الشهرِ الواحد، ثم تخلَّى عن ذلك في نحوِ الأربعينَ وست مئة بالكَبْرةِ التي لحِقَتْه واشتغالِ أهل بلدِه بما كان قد دهَمَهم من اشتعال نارِ الفتنة التي آلَتْ إلى أخْذِ الرُّوم بَلَدَهُ.

وكان آنَقَ أهلِ عصرِه طريقةً في الخَطّ، وأسرَعَهم كَتْبًا وأكثرَهم كُتُبًا وأبعدَهم في الأُستاذيّةِ صِيتًا؛ على أنّ كثيرًا من أهل بلدِه كانوا يرغَبونَ بأبنائهم عنه ولا يسمَحونَ لهم بالتتلمُذِ له والقراءةِ عليه لقبيح لا يَليقُ مِثلُه بأهل العلم نسَبُوه إليه (١)، وكانوا يَميلونَ بأبنائهم إلى غيرِه كأبوَي الحَسَن: ابن الدَّبّاج وابن عبد الله وأبي بكر بن طلحةَ قبلَهما، وغيرِهم ممّن شُهِر بالدِّين والعَفاف وتَنَزَّه عن التُّهمة [١٣٩ ظ] بفسادِ الخَلْوة.

وظَهَرت نَجابتُه قديمًا، فقد وقَفْتُ على خَطَّي الحافظِ أبي بكر ابن الجَدّ وأبي الحَسَن نَجَبةَ مُجيزَيْنِ له "كتابَ سِيبوَيْه" بعدَ أخْذِه عنهما بينَ سَماع وقراءة، وقد


(١) في هامش ح: "لا أعلم من ذكر أبا علي بما عرض به المصنف، وقد لقيت من أصحابه عددًا كثيرًا، فكان حقه ألا يتعرض لمثل هذا الشيخ في شهرته وجلالة معلوماته وكثرة المنتفعين به".

<<  <  ج: ص:  >  >>