للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الرّحمن بن الصَّقْر، وأبو عليّ الحَسَن بن عبد الرّحمن بن عبد رَبِّه، وأبو القاسم عبدُ الرّحيم ابن المَلْجُوم، وأبَوا محمد: ابن عُبَيد الله وابن عليّ بن خَلَف، وغيرُهم.

وكان فقيهًا حافظًا مُشاوَرًا عارِفًا بأُصُولِ الفقه، وصَنَّفَ في مسائل الخلاف "تعليقته" المشهورَة في سبعة أسفار؛ وذَكَرَ أنهُ بَعَثَ حينَ قَدِمَ إلى المغرِب ونَزلَ مدينةَ فاسَ بشيءٍ منها إلى أبي موسى عيسى بن يوسُفَ ابن المَلْجُوم فقال: هذه شِعْرا (١)، يعني استحسانًا لها واستعظامًا لِما احتَوَتْ عليه. ومن مصنَّفاتِه: كتابُ "أسرارِ الإيمان" في سِفر، وقد كان استَظهَرَ في صِغَرِه قبلَ خروجِه منٍ بلدِه "تهذيبَ المُدوَّنة" لأبي القاسم البَرَاذِعيّ، وعُنِي بحفظِ مسائل الفقه عنايةً تامّة، وهُو كان مُعظَمَ علمِه. وكان أوّلَ قدومِه من المشرِق إلى المغرِب (٢) نَزلَ مدينةَ فاسَ وقَعَدَ بغَرْبيِّ جامع القَرَوِّيينَ منها يدرِّسُ الفقهَ، وأقام بها مُدّة، ثم تحوَّل إلى بلدِه جَيّان، فجلسَ فيها بمسجدِه المنسُوبِ إليه للوَعْظ والقَصَص وإيرادِ حكاياتِ الصالحين، ونَحا مَنْحَى الزُّهد، وكانت العامةُ تنتابُ مجلسَه، واستمرَّ على ذلك من حالِه إلى عام تسعةٍ وثلاثينَ، أو أربعينَ، وخمس مئة، فخَرَجَ من بلدِه للفتنةِ الدَّهْماءِ التي اجتاحَتْه وأزعَجَت أهلَه عنهُ حتّى لم يَبْقَ بها إلا عاجزٌ عن النُّقْلة لضَعْفٍ أو هَرَم أو مَن لا يُؤبَهُ له، نعوذُ بالله من الفِتَن، وما تجُرُّه من ضروب المِحَن؛ فقَصَدَ مدينةَ فاسَ ونَزلَها عامَ أربعةٍ وأربعين، وأقام بها يدرِّسُ الفقهَ وأُصولَه ومسائلَ الخلاف، وأُخِذ عنه مصنَّفاتُ شيخِه أبي [١٧٦ و] الحَسَن إلكِيَا هَرّاس، وسُئل عن معنى هذا اللفظِ فقال: معنى إلكِيَا: الحبر (٣)، وكان لأبيه عَبِيدٌ يعمَلونَ الهَرِيسةَ فنُسِب إلى ذلك.

ولم يزَلْ أبو عبد الله البغداديُّ بفاسَ مُقبِلًا على نَشْر العلم وإفادتِه إلى أن توفِّي بها يومَ الجُمُعة لخمسٍ بقِينَ من ذي الحِجّة عامَ ستةٍ وأربعينَ وخمس مئة،


(١) كذا في الأصول، وله وجه من تخريج النحويين.
(٢) في م ط: "إلى أن".
(٣) المحفوظ أن إلكيا: هو الكبير القدر المقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>