للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لقِيَه شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْني، وتوفَّي بعدَ أبي الخَطّاب بنحوِ أربعَ عشْرةَ سنةً، ومنهم: أبو بكرٍ السّلاقي، وقد سَمِعَ عليه كثيرًا شيخُنا أبو عليّ الماقريُّ وتوفَّي بعدَ أبي الخَطّاب بنحو ستَّ عشْرةَ سنة، رَوى عنه [....] (١). وحدَّثنا عنه أبو جعفر بنُ الزُّبَيْر، وأبو الحَسَن ابنُ الضائع، وأبو عليّ بن رَشِيق صاحبُنا.

وكان فصيحَ اللِّسان بارعَ التعبير عمّا يُحاول، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مجُيدًا، خطيبًا مِصقَعًا مِقْدامًا على الكلام وَجَّادًا له يَرتجِلُ الخُطَبَ البليغةَ بين يدَي الملوكِ وفي المحافل الجُمهوريّة، تنبيهًا على المصالح وحَضًّا على ما فيه سَدادُ الأحوال، غيرَ متوقِّف في ذلك ولا متهيِّب لهُ كعادةِ أخيه أبي بكر يحيى وأبيهما قبلَهما، وبأبي الخَطّاب خُتِم شأنُ الخَطابةِ والبلاغة فيها بالأندَلُس، وذلك كان الغالبَ عليه معَ إجادتِه في غيره ممّا ذُكِر وُيذكَرُ من تصرُّفاتِه؛ فقد كان فقيهًا حافظًا متقدِّمًا في عَقْد الشُّروط، مبرِّزًا في علوم اللِّسان، نَظّارًا في علم الكلام وأُصولِ الفقه.

وقد نَظَمَ في العقائدِ قصيدةً فريدةً سَمّاها: "ناظمةَ الفرائض (٢) في عِقْدِ العقائد"، وصنَّف في عِلم الكلام وفي الفقه، ومن مصنَّفاتِه: "الحُجَجُ الإقناعيّة في المحجورِ إذا استُعملَ في الخُططِ الشَّرعيّة"، و"النَّفْحةُ الدارِيّة واللَّمحةُ البُرهانيّة [١٩٢ ظ] في العقيدةِ السَّنِيّة والحقيقةِ الإيمانيّة".

وكان ذاكرًا للتاريخ قديمِه وحديثِه حَسَنَ الإيرادِ له، ممتِعَ المجالسة، مأمونَ الغَيْبِ والشهادة، وكتَبَ عن جماعةٍ من جِلّة قُضاةِ إشبيلِيَةَ. وقد جَمعَ أبو بكيرٍ ابنُ أخيه أبي عُمرَ كلامَه نَظْمًا ونثرًا في كتابٍ سمّاه: "الغُرَر والدُّرَر" أودَعَه جُملةً صالحة من رسائلِه ومُنشَاَتِه الإخوانيّاتِ وما يُناسبُها، ولم يُلفِ له منَ الإنشاءات السُّلطانيّة ما يُوردُهُ فيه، فقد كان أيامَ شَبِيبتِه استَعمَلَه بعضُ الأمراء في الكَتْبِ عنه، فتلبَّس به حِينًا على كَراهةٍ منه، ثُم لمّا صار في سِنِّ الاكتهال، نَزَعَ بالجُملة عن ذلك الحال، ولم يزَلْ يُرغَبُ في الخِدمة فيَصدِفُ عنها، وَيفِرُّ


(١) بياض في النسخ.
(٢) كذا في النسخ، ولعلها "الفرائد".

<<  <  ج: ص:  >  >>