للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله عليه تنبيهاتٌ مُفيدة (١)، وهي التي بَسَطَ تلميذُه أبو الحَسَن بن خَرُوف في "شَرْحِه الكتابَ" وإيّاها اعتمَدَ وعليها عَوَّل، إذْ كان قد لازَمَ صُحبتَه كثيرًا واختَصَّ به اختصاصًا طويلًا وفهِمَ طريقتَه. وله تعاليقُ نبيلةٌ على "معاني القرآن" للإمام أبي زكريّا يحيى بن زيادٍ الفَرّاء وعلى "إيضاح" الفارِسيِّ، وعلى هذه الكُتُبِ الثلاثة وأصُولِ أبي بكرٍ ابن السَّرَّاج كان مُعَوَّلُه وبها كان اعتناؤه، ويَرى أنّ ما عَداها في الطريقة مطَّرَحٌ لا ينبغي التعريجُ عليه.

وكان شَرِسَ الخُلُق عَسِرَ اللِّقاء، مُشتَطًّا على طَلَبة العلم فيما يَشترِطُه عليهم جُعْلًا على إقرائه إيّاهم، ضاغطًا في اقتضائه إيّاه منهم، شديدَ المُشاحَّة فيه، له في ذلك أخبارٌ مشهورةٌ، سَمَحَ اللهُ له، وكان معَ ذلك متحرِّفًا بالتّجارة والخِياطة؛ ويقال: إنه لم يتَأهَّلْ قَطٌّ.

ورَحَلَ إلى بلادِ المشرِق، ولمّا وَرَدَ مِصرَ هَمَّ بمُناظرةِ أبي محمد عبد الله بن بَرِّي بن عبد الجَبّار بن بَرِّي [....] (٢) كبيرِ النُّحاةِ بالبلاد المِصريّة، والمرجوع إليه بها في علم العربيّة، وقَوِيَ عَزْمُه على ذلك، فاستَنْكفَ أبو محمد من الإجابةِ إلى هذا الغَرض، ونَسَبَ هذا المقصِدَ إلى ضَرْب من الشَّرارة، وتقَدَّم إلى أبي بكرٍ عَتِيقٍ الفَصيح، المذكورِ في موضعِه من هذا الكتاب، بالاجتماع به وصَرْفِ خاطرِه عمّا عزَمَ عليه من المناظرة، إلى لقائهما لغيرِ مُذاكرةٍ قائلًا: إنّي أخشَى أن تتعصَّبَ له المَغارِبةُ وتتعصَّبَ لي المِصْرِيّةُ فيكونَ ذلك سببَ الفتنة بينَ الفريقَيْنِ، وذلك مما لا يَليقُ بأهل العلم (٣). قال الفَصيح: فتوجَّهتُ إليه ولم أَزَلْ أُلاطفُه وأُبدي له في قَصْدِه ذلك من قبيح الجَفاءِ المنسوبِ إلى أهل المغرِب، معَ ما فيه من رُكوب الخَطَر والتعرُّض إلى ظهورِ أحَدِكُما على الآخَر، فيؤدِّي إلى سقوطِ رُتبتِه، وذَلك ما لا جَدْوى له. قال الفَصيحُ: فبان له وَجْهُ


(١) في التكملة: "وله تعليق على كتاب سيبويه سماه بالطرر، لم يسبق إلى مثله".
(٢) بياض في النسخ.
(٣) وذلك ... العلم: سقطت من م ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>