للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَليَّه من تناوُلِ شُبهة. وكراماتُه ومَآثرُه كثيرةٌ أثيرة، وقد دَوَّنَ منها الزاهدُ الفاضلُ أبو بكر بنُ قَسّوم جُملةً صالحه في كتابِه: "محاسنِ الأبرار في معاملةِ الجَبّار".

حدَّثني الشَّيخُ السَّنِيّ أبو الحَسَن الرُّعَيْنيّ -رحمه اللهُ- قراءةً منِّي عليه قال (١): "أخبَرَني الشّيخُ الصّالح أبو محمد الشَّنْتَرِينيُّ الفقيهُ، قال: كان عندَنا بإشبيلِيَةَ شاعرٌ يُعرَفُ بأبي عبد الله البَراذِعيّ، وكان يعمَلُ أبدًا على زيارةِ أبي عبد الله ابن المُجاهِد رحمه الله، فكان يُعطيه في اليوم الَّذي يأتيه فيه نصفَ القُرصة التي كانت قُوتَهُ في يومَيْنِ اثنَيْن، فإنهُ كان يَدفَعُ لي درهمًا فيَستنفِقُ منه ستةَ عشَرَ يوفا قُرصة في يومَيْن، والقُرصةُ حينَئذ (٢) من أربع وعشرينَ أُوقيّة، وأنه زارَه في أحدِ الأيام فأعطاه قَلَنْسُوةً وخُبزًا وعُنقودَ عنبٍ ودِرهمَيْنِ اثنَيْن، فقال أبو عبد الله البَراذِعيُّ المذكور: ما رأيتُ أكرمَ من ابن المُجاهدِ وزُرتُه (٣) فأعطاني كُسوتَه وقُوتَه ودْراهمَه، ثم قال فيه هذه الأبيات (٤) [الطويل]:

لكلِّ بني الدُّنيا نصيبٌ (٥) منَ امِّهِ ... يُلاحظُهُ ذو اللُّبِّ لحظَ المُشاهدِ

فأمّا بنو الأُخرى فإنّ نصيبَهمْ .... منَ امِّهمُ مُسْتَدرَكٌ بالشواهدِ

وفُرْقانُ بينَ الحالِ والحالِ مُدْرَك .... لذي نُهْيَةٍ في هذه الدارِ زاهدِ

فتًى طلَّقَ الدّنيا ثلاثًا فبَتَّها .... ليَظفَرَ في الأُخرى بحَوْراءَ ناهدِ

له خَلَدٌ في جنّةِ الخُلْدِ راتعٌ .... وظاهرُ شخصٍ منه بين المَشاهدِ

فإنْ يَكُ منهمْ بينَ أظهُرِنا فتًى .... فإنّي لأرجو أنهُ ابنُ المُجاهدِ


(١) انظر الخبر في برنامج الرعيني (٩٣)، والضمير في "قال" يرجع إلى ابن قسوم.
(٢) في البرنامج: "إذ ذاك".
(٣) في البرنامج: "زرته".
(٤) هي في برنامج الرعيني (٩٤).
(٥) في ح: "نصيبًا"، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>