للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه شَأْوُه، وله مصنَّفاتٌ في العَروض لا نظيرَ لها نُبلًا وإفادةً، منها: "المُستَنْبَط في عِلم الأعاريضِ المهمَلةِ عندَ العرب مما تقتضيه الدوائرُ الأربعُ من الدوائر الخمسِ التي تنفَكُّ منها أشعارُ العرب"، ومنها: "قَيْدُ الأوابِد وصَيْدُ الشّوارِد في إيرادِ الشواذِّ والرَّدِّ على الشُّذّاذ"، ومنها: "الامتعاضُ للخليل"، وهو كتابٌ مَزَجَ فيه الأنحاءَ الموسيقيّةَ بصناعةِ العَروض يرُدُّ فيه على سَعِيد بن فَتْحُون السَّرَقُسْطيِّ المنبُوزِ بالحمار فيما تعَقَّبَه على الخليل وانفردَ به من أحكام العروض.

وشعرُه كثيرٌ جيِّد مدوَّنٌ وقَفْتُ على نُسجةٍ منه في ثلاثةِ أسفارٍ ضَخْمة مُبَوَّبًا على حروفِ المعجَم، ومنه [الكامل]:

واصلْ أخاكَ وإن أتَى بقَطيعةٍ ... فخُلوصُ شيءٍ قلَّما يُتَمَكَّنُ

ولكلِّ حُسْنٍ آفةٌ موجودةٌ ... إن السِّراجَ على سَنَاهُ يُدَخِّنُ

ومنه [المجتث]:

الناسُ مِثلُ حَبَابٍ ... والدهرُ لُجَّةُ ماءِ

فعالمٌ في طُفُوٍّ ... وعالمٌ في انطفاءِ

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: لم تَستعمِلِ العرَبُ "انفعل" مُطاوعَ "أفعل" إلّا شاذًّا، فقولُه: "انطفاء" لا يستقيمُ على مشهورِ كلام العرب، وقد قالوا: أطلَقْتُه فانطَلَقَ.

وقدِ امتَدحَ طائفةً من ملوكِ الأندَلُس واختَصَّ بالمعتصِم أبي يحيى محمد بن مَعْن بن صُمَادِح وأكثَرَ منَ امتداحِه؛ وكان لأبي عبد الله هذا أخٌ فقَتَلَ رجُلًا، ونالَتْ أبا عبد الله بسببِه مُطالبةٌ أخفَى نفْسَه من أجلِها حينًا حتى قُبِض على أخيه واعتُقل، ففَصَلَ أبو عبد الله إلى مُرسِيَةَ ونَفَذَ منها إلى سَرَقُسْطة، فاحتَلّها يومَ السبتِ لثلاثَ عشْرةَ ليلةً خَلَتْ من شعبانِ أحدٍ وستينَ وأربع مئة، فاغتَنَم وِفادتَه المُقتدرُ أحمدُ ابنُ المُستعين بن هُود، وقابَلَه منَ الإقبالِ عليه والتَّحَفِّي به بما لا كِفاءَ لهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>