للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الشريعة بُعْدُ المشرِقَيْن، وتباينُها تبايُنُ الثَّقلَيْن، يُوهِمونَ أنّ العقلَ ميزانُها، والحقَّ بُرهانُها، وهم يتشعَّبونَ في القضيّةِ الواحدة فِرَقًا، ويسيرونَ فيها شواكلَ وطُرُقًا، ذلكم بأنّ اللهَ خَلَقَهم للنار وبعمَل أهل النار يعملون، {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: ٢٥] ونشَأ منهم في هذه السَّمْحة البيضاءِ شياطينُ إنس {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: ٩] , {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: ١١٢] فكانوا عليها أضرَّ من أهل الكتاب، وأبعدَ عن الرَّجْعةِ إلى الله والمَآب؛ لأنّ الكِتابيَّ يجتهدُ في ضَلال، ويجِدُّ في كَلَال، وهؤلاءِ جهودُهمُ التعطيل، وقُصاراهمُ التمويهُ والتخييل، دبَّتْ عقاربُهم في الآفاقِ بُرهةً من الزمان، إلى أن أطْلَعَنا اللهُ سبحانَه منهم على رجالٍ كان الدّهرُ قد سالَمَهم على شدّةِ حروبِهم، وأغفَى عنهم سنينَ على كثرةِ ذنوبِهم، وما أُمْلِيَ لهم إلّا ليزدادوا إثمًا، وما أُمهِلوا إلّا ليَأخُذَهُم الله الذي لا إلهَ إلّا هو وَسِع كلَّ شيءٍ علمًا. وما زلنا -وصَلَ اللهُ كرامتَكم- نُذكِّرُهم على مقدارِ ظنِّنا فيهم، وندعوهم على بصير إلى ما يُقرِّبُهم إلى الله سبحانَه ويُدنيهِم، فلمّا أراد اللهُ فضيحةَ عَمَايتِهم، وكَشْفَ غِوايتِهم، وُقِفَ لبعضِهم على كُتُبٍ مسطورةٍ في الضَّلال، موجبةٍ أخْذَ كتابِ صاحبِها بالشِّمال، ظاهرُها موشَّحٌ بكتابِ الله، وباطنُها مُصرّحٌ بالإعراضِ عن الله، لُبِّسَ فيها الإيمانُ بالظُّلم، وجيءَ منه بالحرب الزَّبونِ في صُورة السِّلم، مزلّةٌ للأقدام، وسُمٌّ يدِبُّ في باطن الإسلام، أسيافُ أَهل الصليب دونَها مفلولة، وأيديهم عمّا ينالُه هؤلاءِ مغلولة، فإنّهم يوافقونَ الأُمّةَ في ظاهرِهم وزِيِّهم ولسانِهم، ويخالفونَهم بباطِنهم [وغَيِّهم] (١) وبُهتانِهم، فلمّا وقَفْنا منهم على ما هو قَذًى في جَفْن الدِّين، ونُكتةٌ سوداءُ في صَفحةِ النُّورِ المُبِين، نَبَذْناهم في الله نَبْذَ النَّواة، وأقصَيْناهم


(١) زيادة من م، ولعلها "وغيبهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>