للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو عبد الله بن عبد الحقّ: كان مَلِيًّا بالحديث مُشارِكًا في غيره فاضلَ الخُلُق حسَنَ السَّمت، جميلَ المُعاشَرة والمُجالسة، لم أرَ أحفظَ منهُ للحديث.

وقال أبو سُليمانَ بن حَوْطِ الله: كان حافظًا وَرِعًا كثيرَ الصَّدَقة، سَمِعتُه يقول: إنه في زمانِ شَبِيبتِه حَفِظَ كتابَ "السُّنَن" لأبي داودَ، وقلَّما كان يَخْفَى عليه شيءٌ منه، وأمّا في مُدّة لقائي إياه فكان يَذكُرُ "صحيحَ مُسلم" أو أكثرَه؛ وسأله أخي يومًا وأنا حاضرٌ: هل كنتَ تستعينُ على الحِفظ بشيء ممّا يَذكُرُه الأطبّاء؟ فقال: قد كان ذلك، قال أبو سُليمان: وسَمِعتُ شيخَنا أبا زيد السُّهَيْليَّ يقول: لمّا شاهدتُ من حِفظ أبي عبد الله ابن الفَخّار صاحبِنا ما عَجَزَ عنه غيرُه، ورأيتُه قد تقَدَّم في ذلك، قلتُ: كيف أَسُودُ معَ هذا؟ فرَزَقَني اللهُ من الفقه ما قَصَّر عنهُ وسِواه، والحمدُ لله على ذلك كثيرًا؛ قال أبو سُليمان: هذا لفظُ ما قال أو معناه.

وقال أبو الحَسَن ابنُ الفَخّار: كنتُ أُكثِرُ عليه بحِفظي للخِلاف، فيَضْجَرُ ويقولُ لي: إنّما قُلْ لي: ما يصحُّ عندَك من هذا، فأقولُ له: إنّما لهذا أنتم.

وقال أبو الحَسَن ابنُ القَطّان: كان حافظًا للحديث، حَسَنَ الإيراد للمُطوَّلات، عارِفًا بالرجال، مُعرِبًا مقيِّدًا مُفيدًا يَقِظًا.

وقال أبو الحَسَن بنُ قَطْرال: سألتُه يومًا بمنزلِه عن لفظةٍ من الأغرِبة، ذَكَرَ ما كان عنده فيها ثم قال لي: يا بُنيّ، جمَعْتُ الأغرِبةَ بالحِفظ والنَّسْخ؛ وقال: ثلاثةُ كُتُب هي عندي كسُورةٍ من القرآن: كتابُ مسلم و"المقدِّمات" لأبي الوليد ابن رُشْد و"التقَصِّي" لأبي عُمرَ بن عبد البَرّ.

وقال ابنُ أُختِه الطَّبيبُ أبو محمدٍ ابنُ الفَخّار: سافَرتُ معَ خالي أبي عبد الله من مالَقةَ إلى مَرّاكُش حين استُدعيَ إليها، وكان ذلك في فَصْل الشتاء، وتوالَتْ علينا الأمطارُ والأوحال، فكان معَ ذلك لا يَفتُرُ عن القراءةِ ليلًا ولا نهارًا، مُستظهِرًا مِن حِفظِه، وسَمِعتُه ليلةً قد ختَمَ ودَعَا، فتوهَّمتُ أنه خَتَمَ القرآن، فسألتُه فقال: ختَمتُ "الموَطّأ".

<<  <  ج: ص:  >  >>