للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو محمد عبدُ الحقّ بن إبراهيمَ: رَفَعَ أبو عبد الله بن نُوح إلى المنصور على أبي عبد الله بن حَمِيد أشياءَ منها: أنه كان إذا امتَنعَ أحدٌ من شِرارِ أهل البادية وجُفاتِهم من إجابة الدعوة إليه أمَرَ بحَرْق بابِه وانتقال مالِه وتثقيفِه في المودع، فأمَرَ المنصورُ قاضيَه أبا عبد الله بنَ مَرْوان بتحقيق هذه القضية، وكَتْبِها له مفسَّرة، فأتى بها في جُملة مسائل، وقد وَقَعَ ذلك منه بغَرَض المنصور، وأخَذ يَعرِضُها عليه مسألةً مسألة، فعند ذكْرِه قصّةَ أبي عبد الله بن حَمِيد قال المنصورُ وقد علا صوتُه: سبحانَ الله! ولم يكن ابنُ حَمِيد عندَنا بهذا الاجتهاد! ألم تسمعْ إلى قول رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أنْ أشُقَّ على أُمّتي لأَمَرتُ بحطبٍ يُحطَب"؟ وذكَرَ الحديث؛ ثم قال: أَمثلَ هذا تَرْفَعُ إلينا؟ انتظِرْ ما يقالُ فيك، اخرُجْ، فأدَّبهُ، قال: فسُجِن ابنُ نُوح ولم يُسَرَّحْ حتى رَغِب في إطلاقِه ابنُ حَمِيدِ وألَحَّ في ذلك.

ونزَلَ بأخَرةٍ مُرْسِيَةَ فناوَبَ في الصّلاة والخُطبة بها أبا القاسم بنَ حُبَيْش، وأقرَأَ بجامعِها، وله شَرْح على "إيضاح" الفارسيّ، وآخَرُ على "جُمَل" الزَّجّاجي، وشُهِر بجَوْدة القيام على "كتاب سِيبوَيْه" والنفوذِ في فَهْم غوامضِه.

مولدُه ببَلَنْسِيَةَ سنة ثلاثَ عشْرةَ وخمس مئة، وتوفِّي بمُرْسِيةَ إثْرَ صَدَره عن قُرطُبةَ وقد أكل شيئًا من حَبّ الملوك (١) عَرَضَ له منهُ إسهالٌ مات بأثَرِه عشِيَّ يوم السبت لثلاثَ عشْرةَ ليلة بقِيَتْ من جُمادى الأُولى سنةَ ستٍّ وثمانينَ وخمس مئة، ودُفن عصرَ يوم الأحدِ بعدَه بظاهرِها، لِصْقَ صديقِه أبي القاسم ابن حُبَيْش، إزاءَ مسجد الجُرْف خارجَ باب [٥٨ أ] ابن أحمدَ أحدِ أبوابِ مُرْسِيَة؛ وقال ابنُ الزُّبَير: إنه توفّي في شوّالٍ من السنة.

٣٩٥ - محمدُ (٢) بن جعفرِ بن أحمدَ بن محمد بن جعفرِ بن سُفيانَ المَخْزُوميّ، شُقْريٌّ، أبو عبد الرّحمن.


(١) بهامش ب: "قراصيا".
(٢) ترجمه ابن الأبار في التكملة (١٦٧٠)، والذهبي في المستملح (٢٩٤)، وتاريخ الإسلام ١٤/ ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>