للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متيقِّظًا لدقائقِها، صَدْرَ أساتيذِ إشبيلِيَةَ في ذلك غيرَ مُدافَع. وكان من جَوْدة التعليم وإجادة الإلقاء وسُهولة العبارة في غايةٍ لا يُدرَكُ شَأْوُه فيها، مائلًا في النَّحو إلى آراءِ أبي الحُسَين ابن الطَّراوة، ثم غَلَبَ عليه ذلك فشَرَدَ عنه الجُمهور.

ومصنَّفاتُه في النَحو مشهورةٌ معروفةُ الفضل جَمّةُ الفوائد، وكان ذا حظٍّ صالح من الفقه وأصولِه وعلم الكلام، مُنقبِضًا عن أبناءِ الدنيا شديدَ الفِرار من خُلطتِهم، كثيرَ الحَذَرِ منهم.

قال أبو القاسم بنُ فَرْقَد: كان أبو بكرٍ ابنُ صافٍ يَفْخَرُ ممّن قرَأ عليه بأبي بكر بن طلحة، وأبي العبّاس بن مُنذر، قال: وكان يُحدِّثُنا متعجِّبًا من أمرِه أنه كان في أوّليّتِه لا يَفُوهُ عندَ سَماع الدول (١) ببِنت شَفَة، فكان يَستبرِدُه وَيسْتَغبيه، إلى أنِ اندفَعَ يومًا بما أَبْهتَ الحاضرينَ، وتمادَى على ذلك من حالِه إلى أنْ سما قَدْرُه.

مَوْلدُه بيابُرةَ منتصَفَ ذي حجةٍ من سنة خمس وأربعينَ وخمس مئة، وسيقَ إلى إشبيلِيَةَ صغيرًا فنشَأَ بها وسَكَنَها إلى أن توفِّي بها ليلةَ جُمُعة في الوسط من صَفَرِ ثمانِ عشْرةَ وست مئة، وصُلِّي عليه عَقِبَ صلاة الجُمُعة، ودُفن بالنَخيل الأصغر داخلَ إشبِيليَةَ، وكان الحَفْل في جَنازته عظيمًا، وأتْبَعَه الناسُ ثناءً حسَنًا، وكان أهلًا لذلك، رحمه الله.

٦٨٥ - محمدُ بن طيِّب بن عُمرَ الهَمْدانيُّ، قُرطُبيٌّ، أخو أحمدَ المذكورِ بموضعِه من هذا الكتاب.

كان من أهل العلم وجَوْدة الخَطّ، حيًّا سنةَ أربع وثمانينَ وثلاث مئة.

٦٨٦ - محمدُ بن الطّيّب بن محمد بن الطّيّب العتقيُّ، مُرْسيٌّ، أبو بكر.

رَوى عن أبيه أبي القاسم ولازَمَه، وتَلا بالسّبع على أبي الحَسَن بن يوسُف بن الشَّرِيك ورَوى عنه، وأبي الخَطّاب بن واجِب، وأبوَيْ عبد الله: ابن أحمد الأنْدَرْشيّ وابن هِشام الشَّوّاش. حدَّثنا عنه أبو محمد مَوْلى أبي عُثمانَ سَعِيد بن حَكَم.


(١) الدول: جمع دولة، وهي الجلسة للرواية (الدرس).

<<  <  ج: ص:  >  >>