للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبرَني الشّيخُ أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه اللهُ قراءةً منّي عليه، ونقَلْتُه من خطِّه، قال: قال لي شيخُنا أبو محمدٍ الشلطيشيُّالفقيهُ السّنيُّ رحمه اللهُ وقد جَرَى ذكْرُ شيخِنا أبي بكرٍ هذا: لا أعلمُ أحدًا من أهل عصرِنا زَهِدَ في الدنيا حقيقةً زُهدَ أبي بكر، فإنه زَهِدَ عن تمكّن فيها وظهورٍ عند بَنيها، وبعدَ إقبالِها عليه أعرَضَ عنها وأقبَلَ على عبادةِ ربِّه ورَفَضَ ما كان في يدِه منها، واشتَغلَ مُدّةً بتعليم كتابِ الله العزيز ونَسْخِه، ولزِمَ صُحبةَ الزاهِد أبي عِمرانَ واقتَدى به وعِملَ على سُنّتِه.

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: وكان له ديوانٌ جَمَعَ فيه ما صَدَرَ عنهُ من نَظْم ونَثْر أيامَ تَنَشُّبِه في الخِدمة التي أنقَذَه اللهُ منها, ولمّا نَزَعَ عنها مزَّقَه وخَرَقَه، ولم يُخطِرْ على بالِه شيئًا منه حتى لقِيَ الله عزَّ وجَلّ. وله ديوانُ شعر زُهْديٍّ مرتَّبٌ على حروفِ المعجَم، وطريقتُه في نَظْمِه سهلةُ المَسَاق، بعيدةٌ عن التكلُّف، دالّةٌ على صدقِ نيّته وفضلِه.

وله مصنَّفاتٌ في التصوّف والمواعظ والزُّهد وأخبارِ الصّالحين، منها: "محاسنُ الأبرار في معاملةِ الجَبّار"، ومنها: "النُّبْذةُ المُشتمِلةُ على شُذور من المنظومِ والمنثور".

وكان متقلِّلًا من الدُّنيا كثيرَ المُجاهَدة لنفسِه والمحاسبةِ لها، أخبَرني الشَّيخُ أبو الحَسَن الرّعَيْنيّ مشافهةً، قال: كان قُوتُ أبي بكر بن قَسُّوم، رحمه الله، قُرَيْصَة تُصنَعُ له من رُبْع رَطْل حُوَّارى، فكان يُفطرُ على أكثرِها ويتسحَّرُ لصيامِه تسنُّنًا بأقلِّها، نفَعَه الله؛ وكُفّ بصَرُه آخِرَ عُمُرِه، ضاعَفَ اللهُ له مذخورَ أجرِه.

قال شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ , رحمه الله، وأنشَدْتُه عليه وكتبَه لي بخطِّه: قرأتُ عليه في ديوانِ شعرِه بعدَ ما كُفَّ بصَرُه [الطويل]:

أقولُ وحكمُ الله يَنفُذُ في الوَرَى (١) ... وقد عَلِمَ الرّحمنُ صِدقَ مُرادي:

ألا ليْتَ عيني أذهبَ الدَّمعُ نُورَها ... ويا ليتَ خوفَ النارِ فتَّ فؤادي


(١) في البرنامج: "الفتى".

<<  <  ج: ص:  >  >>