للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بارعَ الأدب، متقدِّمًا في العربيّة، متحقِّقًا بالعَروض، وصنَّفَ فيه مصنّفا لم يُخْلِه من إفادة. وكان شاعرًا محُسِنًا، اشتُهر بالفَضْل والإيثار أيامَ رياستِهم، ومَدَحَه الشّعراءُ فأجزَلَ صِلاتِهم، وممّن مَدَحَه أبو عامرٍ ابنُ الأصيلي (١).

ولمّا اختلَّت رياستُهم بموتِ جَدِّه أبي يحيى المعتصِم لحِقَ بمَيُورْقةَ ناصِر الدّولة مبشِّرًا، ثم إلى سَرَقُسْطة، فاتّصلَ بابن هُود، ثم صار إلى طَرْطُوشة، فاتُّهم في تجوُّلِه هذا، فقُبِضَ عليه وأُجيزَ به إلى العُدْوة، فاعتُقل في سِجن مَرّاكُش؛ وله في ذلك وفي غيرِه شعرٌ كثير، فمِن شعرِه في اعتقالِه، واستشعارِه الصَّبرَ على تغيُّرِ حالِه: قولُه [الوافر]:

أحبّتُنا الكِرامُ بغَوْا علينا ... وبَغْيُ المرءِ مَحبَطةٌ ونارُ

وقالوا الهُجْرَ لمّا يعمَلوهُ ... وهُجْرُ القوُلِ مَنْقَصةٌ وعارٌ

وما صِرْفُ الهوى حَرَمٌ مُباحٌ ... ولا محوُ الودادِ دمٌ مثارُ

وقد يَنْبو الزِّنادُ لقادِحيهِ ... ويستولي على الفَرَس العِثَارُ

ومنه:

صبَرْتُ على منازعةِ الدّواهي ... وطَبْعُ الحُرِّ صبرٌ وائتجارُ

وقلتُ: لعلّها ظُلَمٌ ألمّتْ ... وحالُ الليلِ آخرُها السِّفارُ

وما أنسَى الجزيرةَ والأماني ... تديرُ لهم ودارُ العزِّ دارُ

فإن يكنِ الرَّدى يكنِ اصطبارٌ ... وإن تكنِ المُنى يكُنِ اغتفارُ

وقولُه يشكو النّوائب [البسيط]:

صبرًا على نائباتِ الدّهرِ إنَّ لهُ ... يومًا كما فَتَكَ الإصباحُ بالظُّلَمِ

إن كنتَ تعلَمُ أنّ الله مُقتدِرٌ ... فثِقْ به تلْقَ رَوْحَ الله في أَمَمِ


(١) تنظر ترجمة الأصيلي في الخريدة (قسم المغرب والأندلس) ٢/ ٣٠٨، والمغرب ٢/ ٤٤٤ وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>