للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَحَطَ فَصْلُ الشتاءِ عامَ أربعةٍ وتسعينَ وخمس مئة، ثم تَوالَى المطرُ في فصل الصَّيف، فكثُرَ الوَبَاءُ في الناسِ، فقال [من الطويل]:

أيُقحِطُ مَشتانا ويُمطرُ صيفُنا؟! ... لقد صارتِ البُؤْسَى بديلًا من النُّعْمى

أرى ديمةً في جَمْرةِ القَيْظِ أغدَقَتْ ... كما يُغدِقُ المحمومُ من صالبِ الحُمَّى

لقد جاد صَوْبُ المُزنِ في غيرِ وقتِهِ ... حُرِمْناهُ دِرْياقًا ونُمْنَحُهُ سمّا

وما القَطْرُ إلّا كالصّديقِ إذا انثَنى ... عدوًّا فلا بُقْيا لديهِ ولا رُحمَى

كذا تقتضي أعمالُنا السوءَ، إنّني ... لأخشَى عِقابًا شرُّه يَشْمَلُ الدَّهْما

فيا أيّها النَّاسُ اتَّقوا الله وافزَعوا ... إليه وإلّا فاحذَروا النَّقْمَةَ العُظمى

وتوبوا له واستغفِروهُ وأخلِصوا ... لِما كان من تفريطِكُم، توبةً عَزْما

وأكثرُ تأنيبي لنَفْسي لأنّني ... قَتلتُ الذي قد كان من شرِّها عِلما

فيا ربَّنا عفوًا وصَفْحًا ورحمةً ... فقد طالما عوَّدْتَنا الرِّفقَ والحِلما

رجَوْناكَ لا نَرجو سِواكَ وحسبُنا ... رجاءٌ وإخلاصٌ نفُزْ بهما قَسْما (١)

وقال، وبلَغَ تسعًا وثمانينَ سنةً يَندُبُ نَفْسَه، وَيدعو إلى الله في المَتاب والتجاوزِ عنه يومَ المرَدِّ إليه والمآب [البسيط]:

عُمْرٌ قصيرٌ ودُنيا كلُّها غَررُ ... والعيشُ في نكَدٍ والموتُ مُنتظَرُ

وكلُّ نفْسٍ لها من حَتْفِها رَصَدٌ ... ليس الفِرارُ بمُنجيها ولا الحَذَرُ

والموتُ لا بدَّ منهُ فاستعِدَّ لهُ ... وبعدَهُ جَنّةُ الفِردَوْسِ أو سَقَرُ

فاختَرْ لنفسِك ما ترجو النّجاةَ بهِ ... وانظُرْ لها قبلَ أنْ يفوتَكَ النَّظرُ

دع فانيًا والتمِسْ ما لا فناءَ لهُ ... إن كنتَ تعلَمُ ما تأتي وما تَذَرُ


(١) في ب م: "نقربهما مسما"، وعلى اللفظة الأخيرة تضبيب في ب. ولعل صواب القراءة: نُقَرِّيهما قَسْما.

<<  <  ج: ص:  >  >>