للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان فقيهًا مُفْتِيًا عاقدًا للشّروطِ بصيرًا بعِلَلِها، عَدْلًا مُبرِّزًا في العدالةِ في الشّهادة، راوِيةً ثقةً مُكثِرًا، شديدَ العناية بالعِلم على الإطلاق، كان يَهِمُ أحيانًا في الأسانيد، بَرًّا بالناس متواضِعًا، مُكرِمًا كلَّ مَن تعرَّضَ لهُ، راجحَ العقل حسَنَ اللِّقاء طَلْقَ الوَجْه جميلَ السِّيرة دائمَ البِشْر، فاضلًا ديِّنًا، وافرَ الحَظّ من الأدب، يَقرضُ مقطَّعاتِ الشِّعر ويُجيدُ فيها، رائقَ الوِراقة كثيرَ الدُّؤوبِ على النَّسْخ ليلًا ونهارًا، حتّى إنه كان متى دُعِيَ إلى موضِع لعَقْدِ وثيقةٍ أو شَهادة فيها استَصْحَبَ ما يَنْسَخُ، فإنْ أمكَنَتْ مُهلةٌ رَيْثَما يتِمُّ أمرُ ما توَجَّه إليه شَرَعَ في نَسْخِه؛ فلذلك خَلّف بخطِّه مِن دواوينِ العلم كِبارًا وصِغارًا ما لا يُحصَى، وقد وقَفْتُ على كثيرٍ منها.

أنشَدتُ على شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيِّ رحمَه اللهُ عن أبي القاسم بن فَرْقَد إجازةً، إن لم يكنْ سَماعًا لنفسِه، ونقَلتُه من خطِّ أبي القاسم [الطويل]:

أرى زمنًا فيه المنافقُ نافقُ ... وذو الدِّين فيه أعوَزَتْهُ المَرافقُ

وما المرءُ إلّا العقلُ والدِّينُ والتُّقَى ... وليس سواءً أحْوذيٌّ ومائقُ

وقد قَسَم اللهُ المَعايشَ في الوَرى ... فلا العلمُ يُعطيها ولا الجهلُ عائقُ

فكنْ رجلًا يَرضَى الحقائقَ شيمةً ... ولا تَكُ سِرًّا تَستهلْكَ المَخارقُ

وثِقْ بالذي لايكشِفُ الضُّرَّ غيرُهُ ... فما خابَ عبدٌ في المَهمّاتِ واثقُ

وقال: رأيتُ سحَرَ ليلةِ مِنًى من عام أربعةٍ وعشرينَ وست مئة كأنّ مُنشِدًا يُنشِد [البسيط]:

اليومَ يومُ مِنًى والدارُ جامعةٌ ... والنَّفْسُ في جَزَع من صاحبِ الدارِ

يا ربِّ فاغفِرْ ذنوبي إنّها عَظُمتْ ... وعافِني من عذابِ القبرِ والنارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>