للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتهدَّ إلى ذلك مِن تِلقاءِ نَفْسي فحُرِمتُ الرِّوايةَ عنه معَ أهليّتي لها وتمكُّني من أسبابِها لو شاء اللهُ، والسَّماعُ رِزق (١).

وكان محدِّثا راوِيةً عَدْلاً، فيما يَأثَرُه، ثقة فيما يحدِّثُ به، صحيحَ السَّماع، غيرَ أنّ [أصُولَ سَماعِه كانت قد ذهبتْ حين امتُحِن] بالأسْر بأُبّذةَ وهو قاضٍ [بها بعدَ تغلُّبِ العدوِّ] الرُّوميِّ عليها [إثْرَ وقعةِ العِقاب] (٢)، ووَقَعَ بعدُ إلى يدِه منها "التقَصِّي" لأبي عُمر بن عبد البَرّ، فكان [يُسمعُ منه. وشاع] الخبرُ عن أسرِه صَدرَ أيام المستنصِر من بني عبدِ المؤمن، فسَعَى عندَه [في افتكاكِه] كبيرُ وُزرائه أبو سعيد عثمانُ بن أبي محمد بن عبد الله بن جامِع [لموَدّاتٍ كانت] بينَهما، فيسَّر اللهُ إنقاذَه من أسْره ذلك، وقُدِّم حينَئذٍ قاضيًا بشاطِبة، [فاستمرَّ قضاؤه بها إلى سنة اثنتينِ وعشرينَ وست مئة، فانتَقلَ إلى مَرّاكُش، وحَضَرَ مجلسَ أبي الحَسَن ابن القَطّان، فكان ابنُ القَطّان يُجلُّه وَيعرفُ حقَّه ويُحضُّ أهلَ مجلسِه على (٣) الرواية عنه والتردُّدِ إليه. ثم عاد إلى الأندَلُس، واستُقضيَ بشَرِيشَ وجَيّانَ وقُرطُبةَ في أوقاتٍ مختلفة، وأعيدَ ثانيةً إلى قضاءِ شاطِبة مضافًا إلى الخَطابة بجامعِها، وفَصَلَ عنها سنةَ سث وثلاثين، فاستُقضيَ بسَبْتةَ ثم فاسَ (٤) ثم بأغماتِ وَريكة، ووَلِيَ خُطّةَ


(١) مثل المؤلف في هذا ابن الزبير الذي لم يتحقق أمله في الأخذ عن المترجم، قال: "أخذ عنه عالم كثير، وكنت بمدينة سلا أيام كونه بفاس، وكنت أتحدث بلقائه والأخذ عنه، فلم يقض ذلك ... " (صلة الصلة ٤/الترجمة ٢٩٦). ويبدو أن عبارة: السَّماع رزق، من العبارات المتداولة بين المحدثين، فقد قال ابن رشيد في بعضهم: "لو تشاغل بالسماع لكان عنده من ذلك ما يفرح به ولكن السماع رزق، (رحلة ابن رشيد ٢/ ٣١٧).
(٢) جاء في الروض المعطار: "وفي سنة ٦٠٩ مالت عليها (أي على أبذة) جموع النصرانية بعد كائنة العقاب، وكان أهلها قد أنفوا من إخلائها كما فعل جيرانها أهل بياسة، ولم ترفع تلك الجموع يدًا عن قتالها حتى ملكتها بالسيف وقتل فيها كثير، وأسَروا كثيرًا".
(٣) في ص: "عن".
(٤) كان بين ابن قطرال قاضي فاس وابن عميرة قاضي مكناسة مكاتبات. انظر كتاب الدكتور محمد بن شريفة: أبو المطرف أحمد بن عميرة المخزومي ص ١٣٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>