للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُيعلِّمُهمُ الكتابَ والحِكمة، رضيَ اللهُ عنهم، إذْ بعَثَ فيهم رسولًا منهم، وأذِن بحبِّهم وقُربِهم، فآمَنوا بما نزَلَ على محمدٍ وهو الحقُّ من ربِّهم، دَلّهم من قربٍ عليه، واختَصر لهم الطريقَ إليه، وأراهُم ما يُقرِّبُهم منه، وحجَبَهم عمّا يَحجُبُهم عنه، فما ضَرَّ تلك النفوسَ الكريمة، والقلوبَ السليمة، والألبابَ العليمة، ما زُوي عنها من العلوم القديمة، نَقّاهم من الأوضارِ والأدناس، وقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] , فالمطلوبُ ما به فَضَلوا، وماذا علِموا وبه عَمِلوا، والقصدُ الذي به وَصَلوا؛ يُتلقَّى خيرُه، ويُتوقَّى غيرُه، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: ١٠٨] , مَن أُريدَ بذلك ومَن عُنِي؛ كتابُهم أعظمُ كتاب أُنزِل، ونبيُّهم أكرمُ نبيٍّ أُرسِل؛ سيِّدُ الأنام، لبنةُ التّمام، خيرُ البريّةِ على الإطلاق، بُعِث ليُتمِّمَ مكارمَ الأخلاق، فكان للأنبياءِ خَاتمًا، ولكافّةِ الناسِ هاديًا وعليهم حاكمًا؛ أنزَلَ الكتابَ بالحقِّ إليه، مُصدِّقًا لِما بينَ يدَيْه من الكتابِ ومُهيمِنًا عليه، هو الشّفاءُ والرحمة، وفيه العِلْمُ كلُّه والحِكمة، معجِزٌ في رَصْفِه، عزيزٌ في وَصفِه، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: ٤٢] , حُجّتُه باهرةٌ قائمة، ومعجزتُه باقيةٌ دائمة، إذْ هي للنبوّةِ والرسالةِ خاتمة، به تُحكَمُ الدنيا [القائمة] , لا تَنقَضي عجائبُه، ولا تنتهي غرائبُه، ماذا أقول، وقد بَةرَ العقول، [حَسْبي حَسْبي] , {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: ١٠٩] (١) [من السريع]:

هذا كلامٌ للهُدى جامعُ ... فاصغِ إليه أيها السامعُ

الشَّرعُ للعقلِ هدى من يَصلْ ... بينَهما برهانُهُ قا [طعُ]

الشرعُ للعقلِ بلا مِريةٍ ... كالشمس للعينِ سنًا طالعُ

الشّرعُ متبوعٌ به يَهتدي ... من ضَلَّ والعقلُ له تابعُ

لا يَهتدي العاقلُ في قصدهِ ... إلا بما سَنَّ له الشارعُ


(١) هذه الخطبة مرصعة بآي من القرآن الكريم وهي غير خافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>