للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مقرئًا مجوِّدًا، محدِّثًا راوِيةً مُكثِرًا متّسعَ السَّماع صحيحَه، عُنيَ به أبوه فأسمَعَه في صِغَرِه وسَمِعَ بنفسِه، ونَشَأَ طالبًا فاستكثَرَ من الأخْذِ عن الشّيوخ وشُغِف بتقييدِ العلم وجَمْع الفوائد، مُعانًا على ذلك بجَوْدة الخَطّ سِرايةً من أبيه وسُرعةِ الكَتْب، وكان عاقدًا للشُّروط مبرِّزًا في معرفتِها صَدْرًا في أُولي البَصَرِ بها، زاهدًا، وَرِعًا فاضلًا، مُؤْثِرًا للخَلوة والانقطاع إلى الله تعالى والانقباض عن خُلطةِ الناس، تعيَّشَ دهرًا طويلًا بالوِراقة، وكتَبَ بخطِّه الكثيرَ وأتقَنَه، واستُنيبَ على القضاءِ بمَرّاكُشَ في أوقات، فشُكِرت سيرتُه، وحُمِدتِ أحوالُه كلُّها، ذا حظٍّ من قَرْض الشِّعر صالح، وأكثرُه في الزهدِ والحِكَم وما نحا ذلك، وسلَكَ تلك المسالك، فمنه قولُه [من الطويل]:

إليكَ إلهَ العرشِ يَشكو ترحُّما ... عليلٌ بأمراضِ الذنوبِ تألَّما

شَكَا قلبُه لمّا تَعاظَمَ ذنبُهُ ... فحَطَّ بأرجاءِ الرجاءِ مخيِّما

وعاجَ برَبْع الجُودِ يسألُ ضارعًا ... عوارفَ ربٍّ لم يزَلْ مُتكرِّما

يُداوي سَقامَ المذنبينَ بعفوِهِ ... فيَصفحُ إفضالًا ويسمَحُ مُنعِما

فكيف يُرى في بابِ جودِك خائبًا ... وما خابَ عبدٌ قَطُّ جودَكَ يمَّما؟!

وله من هذا النّمطِ كثير.

ومَوْلدُه سنةَ سبع وعشرينَ وخمس مئة بمَرّاكُشَ، وتوفِّي بها في حدود التسعينَ وخمس مئة، وله عَقِبٌ خاملٌ بها إلى الآن (١)، والذين شُهِروا ببني الصَّقْر فيها بأخَرةٍ إنّما هم بنو أُختِه من بني وليد، فهو خالهُم، كانوا أصهَروا إلى


(١) من عقب بني الصقر في مراكش ذلك الذي أعدم في أواخر دولة الموحدين، جاء في البيان المغرب (٣/ ٤٥٢): "ولما رد ولد ابن الصقر على الخطيب في خطبته وكذبه حين فاه بعصمة المهدي أراد المرتضى رحمه الله أن يسجنه ولا يقتله على قوله فأبى الأشياخ والوزراء إلا وقوع قتله إلى أن غلبوا عليه فآل أمره إلى القتل خوفًا من أن يقول ذلك غيره فأمروا عليه -كذا- فقتلوه ظلمًا، قبحهم الله" وذكرت هذه الحادثة في المعيار للونشريسي ٦/ ٢٧٠ (ط. فاس).

<<  <  ج: ص:  >  >>