للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفازَازيِّ (١)، وأضاف إليه يسيرًا من كلام غيرِه، واختَصَرَ هذا الكتابَ لزيمُهُ أبو زكريّا بنُ محمد بن طُفَيْل، وسَمّاه "أنوارَ مجالسِ الأذكار وأبكارَ عرائسِ الأفكار"، وقد وقَفْتُ على هذا المختصَر في مجلَّدينِ ضَخْمَيْنِ بخطِّ منتخبِه.

ومما يؤثَرُ من نظمِه [من الوافر]:

غريبُ الوَصْف ذو علم غريبِ ... عليلُ القلبِ من حبِّ الحبيبِ

إذا ما اللّيلُ أظلَمَ قام يبكي ... ويشكو ما يُكِنُّ من النَّحيبِ (٢)

يُقطِّعُ ليلَهُ فكرًا وذكرًا ... وينطِقُ فيه بالعَجَبِ العجيبِ

به من حبِّ سيّدِهِ غرامٌ ... يَجِلُّ عن التطبُّبِ والطّبيبِ

ومن يَكُ هكذا عبدًا محبًّا ... يَطِيبُ تُرابُهُ من غيرِ طيبِ

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: رَفْعُ "يطيبُ" معَ جَزْم "يكُ" غيرُ مستقيم، وإصلاحُه: تَطِبْ أثوابُه، أو ما هو على وزنِه وفي معناه أو ما يُناسبُه، وسمِعتُ شيخَنا أبا القاسم البَلَويَّ (٣) رحمه اللهُ يقول: حضَرتُ مجالسَ وعظِه كثيرًا بالجامع الأعظم من إشبيلِيَةَ، فكان في حُسن صوتِه وبَراعةِ إيرادِه، واستحكام تأثيرِه، وانفعالِ القلوبِ لتذكيرِه، بمقام تَكَلُّ العبارةُ عن وَصْفِه، ولقد شاهدتُه في بعضِها وقد نَدَبَ الناسَ إلى افتكاكِ أُسارى، فتسارَعَ الناسُ إلى بَذْلِ ما حضرِهم، وخَلَعَ كثيرٌ منهم بعضَ ما كان عليه من الثّيابِ، فعَهْدي بها قد تراكمَت أمامَ مِنبَرِه حتى كادت تَحجُبُه عن الأبصار، سوى ما وَعَدَ به، فتجمَّلَ في أثمانِ تلك الثِّيابِ مالٌ جَسِيم.

وهو الذي صَلّى على أبي إسحاقَ الكانميِّ حين توفِّي حسبَما تقَدَّم ذكْرُه (٤).


(١) في برنامج الرعيني أنه روى عن الفازازي جميع خطبه التي كان ينشئها للواعظ أبي عبد الله ابن الحجام.
(٢) في الذخيرة السنية: "الوجيب".
(٣) تقدمت ترجمته في السفر الأول، الترجمة ٦٧٤.
(٤) يحيل المؤلف على سفر مفقود من كتابه، ونقدر أنه السفر السابع، وقد تقدمت الإشارة إلى بعض مصادر ترجمة المذكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>