للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمدَ بن عُثمانَ بن هِبة الله بن أحمدَ بن عَقِيل القَيْسيُّ ابنُ أبي الحَوافِر، وأبو عليّ الحَسَن بن الحَسَن بن عَتِيق ابن مكسورِ الجَنْب بمحضَرِ مُحيي الدِّين محمد بن محمد بن سُرَاقة.

وسمِعتُ منه كثيرًا، وجالستُه طويلًا، وحاضرتُه وذاكَرْتُه، ورُزِقتُ منه قَبولًا كثيرًا، ولزمتُ شهودَ مجالسِ وعظِه، وكانتِ القلوبُ تنفعلُ كثيرًا لكَلامِه، وترِقُّ لمَوْعِظتِه، وتتأثرُ لتذكيرِه، وكان أغزَرَ الناسِ دمعًا، إذا رَقِيَ لمِنبَر وَعْظِه لا يتمالكُ أن يُرسِلَ دموعَه فيؤثِّرَ عندَ الحاضرين من الخُشُوع والخَشْية وسَكْبِ الدموع ما لا مَزيدَ عليه، وكان يتَولَّى إنشاءَ خُطَبه التي يَفتتحُ بها مجالسَ وَعْظِه وقصائدَه المطوَّلةَ التي يختتمُها بها، وكان سَريعَ الإنشاءِ لذلك كلِّه، وكلامُه نظمًا ونثزا مؤثِّرٌ في نفوسِ سامعيهِ على ما فيه من لِين، وسمعتُه غيرَ مرّة يقول: إنّ ذَوْقَه لا يُساعدُه على النظم في وزنِ عَروض من أعاريضِ الشِّعر ما خَلا الطّويلَ، هذا على اتّساع حفظِه وحضورِ ذكْرِه فنونَ الشِّعر على اختلافِ أوزانِه، وله قصائدُ سمّاها: "الوتَريّة، في مَدْح محمدٍ أشرفِ البرّية" (١) كلُّ قصيدة منها أحدٌ وعشرونَ بيتًا، مفتتَحة أبياتُها بحروفِ رَوِيِّها ضَمَّنَها مَدْحَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإيرادَ بعضِ مُعجزاتِه، تَقبَّلَ اللهُ عمَلَه، وأنْجحَ أملَه.

وممّا يُغبَطُ بهذه الوَتَرِيّات وَيشهَدُ بصدقِ نيّتِه فيها ويُحَرَّضُ على حفظِها وروايتِها، وُيرغَّبُ في دراستِها واستعمالِها، ما حكاهُ رحمه اللهُ من أنه قال: رأيتُ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ فراغي من تبييضِها وهي في يدِه - صلى الله عليه وسلم - ومعَه جماعةٌ من أصحابِه رضيَ اللهُ عنهم، لم أعرِفْ فيهم غيرَ أبي بكرٍ، رضيَ اللهُ عنه وعنهم أجمعين، [فلمّا رآني]- صلى الله عليه وسلم - قام إليّ ضاحكًا كالمُستبشِر بي، ثم جَعَلَ يَدفَعُها إلى [جماعةٍ] من


(١) ذكرت في كشف الظنون، وقد عارضها وخمسها وشرحها بعض الأعلام وطبعت في المغرب والمشرق، والوتريات من المحفوظ المتداول في بلاد المغرب وممن لهم وتريات أيضًا أبو الحسن علي بن بلال (ت ٦٨١ هـ) وأبو زيد عبد الرحمن المكودي (رحلة التجاني: ٢٧١ - ٢٧٢، وفهرس خزانة القرويين ٢/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>