للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابِه، وأوّلُ مَن بَدَأَ منهم به أبو بكر، رضيَ اللهُ عنه وعنهم أجمعين، [وكان]- صلى الله عليه وسلم - يقولُ لهم: انظُروا بأيِّ شيءٍ قد مُدِحتُ، وماذا قيل فيّ .... وقَعَتْ منهُ - صلى الله عليه وسلم - .... فاستيقَظْتُ فرحًا مسرورًا بما أعطاني .... وكانت هذه الرُّؤيا بمَرّاكُشَ. ثم بعدَ ذلك إلى ما يُقارِبُ ثلاثَ سنين [كنتُ أُعيدُ] نَظَري فيها وأزيدُها ترقيقًا وتنميقًا، وأدخَلتُ فيها من غرائبِ مُعجزاتِه - صلى الله عليه وسلم - ما لم أكنْ أدخَلتُهُ أوّلَ مرّة، فبينَما أنا ذاتَ ليلةٍ أكتُبُ في حرفِ الميم، وقد تعرَّضتُ فيه لمِعراجِه - صلى الله عليه وسلم -، وكنتُ قد أكثرَتُ في معظَم قصائدِها من ذكْرِ المعراج؛ لِما فيه منَ العجائب، إلّا أنّي لم أذكُرْ حديثَ جِبريلَ عليه السّلام، ووقوفَه في الموضِع المعلوم، وقولَه لرسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: ها أنت وربُّك، وزَجَّه في النُّورِ زَجّةً، ففكّرتُ في نَظْم ذلك المعنى، فيسَّرَه اللهُ عليّ في أربعةِ أبيات، وأدخلتُها في حرفِ الميم، ثم رقَدتُ باقيَ اللّيل، فرأيتُ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام وهو يقولُ لي: إنّ اللهَ قد شَفّعَني في أهلِك وزوجِك وخادمِك، وفي جميع أصحابِك، مُشيرًا إليّ بمُسَبِّحتِه - صلى الله عليه وسلم -، فاستيقَظتُ وبي من الفَرَح والسُّرور ما لا يعلَمُه إلّا الله عزَّ وجَلّ، ويحِقُّ لي، فازدَدْتُ بها غِبطةً على غِبطة، فلله الحمدُ على كلِّ نعمةٍ عمومًا، وعلى ما ألهَمَ إليه من مَدْح حبيبِه - صلى الله عليه وسلم - خصوصًا، وكانت هذه الرؤيا بغَرْناطة.

وكان فقيهًا شافعيُّ المذهب، نَظّارًا فيه، حَسَنَ المأخَذ في الاحتجاج لهُ، متوقِّد الخاطِر، ذكيًّا يَقِظًا محبًّا في العلم مُنصِفًا في المناظرةِ والمباحثة، لا يكادُ يُخلي محاضرَهُ من مفاوضةٍ علميّة ومُذاكرةٍ وبحثٍ ومساءلة، على ذلك عَرَفْناه، وكثيرًا ما كان يُتعرَّضُ له في مجالسِ وعظِه بالرِّقاع مضمَّنةً أسولةً عَوِيصة، فيَصدُرُ عنه من سُرعةِ الجواب عنها وحُسنِه وإيضاح خَفِيِّها وحلّ مُشكلِها ما يَقضي منه العَجَب، شاهدتُ منه في ذلك كثيرًا، وقصَدتُ الإغماضَ غيرَ مرّة أنا وجماعةٌ من أصحابِنا في كثير من الأسولةِ التي كنّا نُودِعُها الرِّقاعَ المرفوعةَ إليه، فيأتي [في أجوبتِها بما يَبهَرُ] الحاضرينَ سُرعةَ بديهةٍ، وحُسنَ ترتيبٍ وحَشْدَ [نُقول، ثم يَخلُصُ] إلى ما كان فيه من وَعْظِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>