للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو يحيى أبو بكر ابنُ المَوّاق. وحدَّث عنه بالإجازة أبو الحَسَن بن المُفضَّل المَقدِسيُّ.

وكان حافظًا للفقه نَظّارًا فيه بارعًا في معرفة أصُولِه ماهرًا في استنباطِ معانيه، شافعيَّ المذهب مُعَوِّلَا على "بسيط" الغَزّاليِّ واقفًا على عيونِه، مبرِّزًا في الكلام على [نُكَتِه] متقدِّمًا في الفَضْل والوَرَع والتواضُع والنّزاهة والوقار وحُسن الخُلُق وعُلُوِّ الهمة والانقطاع إلى العلم، وإيثار طلّابِه، وحثّهم على طلبِه.

وشُهِرَ فضلُه فاستَخلصَهُ أميرُ المسلمينَ أبو الحَسَن عليُّ بن يوسُف بن تاشَفين، فكان من أخصِّ حاضِري مجلسِه لديه.

ثم قَدَّمه للقضاءِ بفاسَ سنة ثلاث وثلاثين (١) وخمسِ مئة فتقَلّده، وسار فيه أحمدَ سيرة، واشتدَّت وَطْأتُه على المُفسِدينَ والذَّعَرة المُعتدين (٢)، وبرَّزَ في إظهار الحقِّ والعدل والإنصاف والتسوية بين الأقوياءِ والضُّعفاء والمشروفينَ والشُّرفاء، واستمرّ على ذلك من حالِه مدّة، ثم [أُخِّر عن القضاءِ لا لِزلّة] لحِقَتْه ولا لرِيبةٍ تعلَّقت به (٣)؛ وأقبَلَ على نشرِ العلم [والانتصابِ لإفادتِه] والجلوس للإقراء والإسماع، محتمِلًا مشَقّةَ التدريس [على كِبَرِ سنِّه] رغبةً في بثِّ العلم، وتحريضًا وإعانة لمُلتمِسيهِ. وكان [أكثرَ] أصنافِ الناس قاطبةً قضاءً للحوائج بارًّا بقاصِديه؛ وكانت الدِّرايةُ أغلبَ عليه من الرّواية؛ إذْ لم يتنبَّهْ لها إلّا في سِنِّ الكهولة؛ وقد أدرَكَ وعاصَرَ جملةً وافرةً من أكابرِ الشيوخ فلم يُعْنَ بالرّوايةِ عنهم لشَغَفِه بالعلوم النَّظرية وعَكَفَ على تحصيلِها حتى صار (٤) رأسًا فيها فكان لذلك قليلَ الرواية.


(١) في التكملة: "ست وثلاثين".
(٢) في صلة الصلة إشارة إلى موقف له من اليهود في فاس حيث منعهم من شراء أرض وبنائها.
(٣) كلام المؤلف مخالف لقول ابن الأبار: "وكان غير صالح للخطة لضعفه فلم تحمد سيرته مع أنه لم تلحقه زلة ولا تعلقت به ريبة".
(٤) في الأصل: "سار".

<<  <  ج: ص:  >  >>