للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جالسًا على سرير، تُبرِقُ من وجهِه الأسارير، فبادرتُ إليه مُسرعًا، ووقَفْتُ بين يَدَيْه متخضّعًا، وقلتُ له بعدَ أن سلّمتُ عليه، وقُمتُ مقام المستكينِ بين يدَيْه: يَا رسُولَ الله، ما أعظمَ عندَ الله تعالى مَن سَلّم عليك، وقبَّل ثَرى نَعْلَيْك! فقال لي عليه الصلاةُ والسلامُ مجُيبًا، بعدَ أن رَحَّب ترحيبًا: إنّي أُحبُّك، إنّي أُحبُّك، [إنّي أُحبُّك] , ثلاثًا يُعدِّدُها، وُيكرّرُ الكلماتِ وُيردِّدُها، ثم قال لي في الآخِر: ومن أحبَّ شيئًا أكثرَ من ذكْرِه، فاستيقَظْتُ من منامي، وقمتُ على أقدامي، والعزائمُ منّي مشحوذة، وعِلَقُ تعلُّقي بحبالِ هذه الفانية بمُدى اليأسِ مقطوعةٌ مجذوذة، وخرَجْتُ لا أَلْوي على مُتعذِّر، خروجَ المجدِّ إلى لقاءِ المحبوبِ المشمِّر، فسِرتُ على عَوْنِ الله متورِّكًا، وبرؤيتي هذه المنامةَ متبرِّكًا، وبعُرَى وُدِّي الصّحيح، وحبِّي الصّريح متمسكًا (١). ولم يُعْنَ في هذه الرحلة بالأخْذِ عن أحد، [ورَوى] عن الخطيبِ بباعوثا: من أرضِ عجلونَ من بلادِ الشَّام [أبي عليّ] بن عُمرَ الأنصاريِّ ابن الأنْدَلُسيّ (٢)، وببُونةَ عن أبي القاسم محمد [....] محمد ابن مُحرِز التَّميميّ التونُسيِّ من ذريّة الفاضل، الشهيرِ الكرامات ...

[عرفتُه] بمَرّاكُش، وصحِبتُه كثيرًا وأخَذْتُ عنه معظمَ ما كان عندَه.

وكان [....] من أهل الصِّدقِ والعدالة، سُنّيًّا فاضلًا مُنحِيًا على أهل البِدع [....] بارعَ الخَطّ، سريعَ البديهة في النَّظم، مُكثرًا منه محُسِنًا في بعضِه، حافظًا للقرآنِ العظيم، مُثابِرًا على تلاوته، طيِّبَ النفْس كريمَ الأخلاق جميلَ الدُّعابة مُمتِع المجالسة.


(١) من قوله: واستوطن مراكش وقتًا، إلى قوله: متمسكًا، منقول بالحرف في كتاب "استنزال السكينة "لعبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي المتوفى سنة أربع وثمانين وألف، ولا يُعرف مآل النسخة التي نقل عنها (انظر الإعلام ٤/ ٣٣١ - ٣٣٤ ط. فاس).
(٢) ترجم به المؤلف في السفر الخامس (٨١٠) وقال: "روى عنه شيخنا أبو عبد الله بن هشام، لقيه بباعوثا من نظر عجلون بالشام وهو خطيبها، ووُصف بالتقدم في العلم والزهد والفضل والصلاح ومتانة الدين".

<<  <  ج: ص:  >  >>