للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوعَظْتُهم فأثَّرَتِ الموعظةُ [في قلوبِ] اثنينِ فانصَرَفا، وذهَبَ الثالثُ إلى أصل الشجرة فقَعَدَ عندَه، فسَمعَ به الوالي، فبَعَثَ إليه مَن ضَرَبَ عُنقَه وصَلَبَه على تلك الشجرة، ولم أزَلْ سائرًا إلى أن وصَلتُ إلى بِجَاية.

قال ابنُ الزَّيّات (١): وحدّثني أبو عليّ حَسَنُ بن محمد الغافقيُّ الصَّوّافُ، وكان قد صَحِبَ أبا مَدْيَن نحوًا من ثلاثينَ سنةً وما فارَقَه حتى مات، قال: سمِعتُ أبا مَدْيَن يقول: زُرتُ الشّيخ أبا يعزَى أوّل مرّة زُرتُه، فمشَيْتُ إليه معَ رجُلَيْنِ فاشتَهى كلُّ واحد منّا طعامًا يأكُلُه عندَه، فلمّا دخَلْنا عليه قَدَّمَ لكلِّ واحدٍ منّا ما اشتهاهُ قبلَ الوصُول إليه، فأقمتُ عندَه أيامًا، فرأيتُه في تلك الأيام يُقدِّمُ الرجُلَ للصّلاة، فإن كان قارئًا مجُيدًا أقَرَّه، وإن كان لَحّانًا أخرَجَه، وكان أبو يعزَى أُميًّا ولكنه رُزِق إدراكَ عِلم هذا.

قال أبو مَدْيَن (٢): وقالت لي جماعةٌ من الفقهاءِ المُجاوِرينَ لأبي يعزَى: ثبتَتْ عندَنا ولايةُ أبي يعزَى، ولكنْ نشاهدُه يلمَسُ صُدورَ النّساءِ وبطونَهنّ ويَتفُلُ عليهنّ فيَبْرَأْنَ، ونَرى أنّ لمْسَهنّ حرام! فإنْ تكلَّمنا في هذا هَلَكْنا، وإن سكتْنا حِرْنا، فقلت لهم: أرأيتُم لو أنّ ابنةَ أحدِكم أو أُختَه أصابها داءٌ لا يطلعُ عليه إلا الزّوجُ ولم يُوجَدْ من يُعانيهِ إلا طبيبٌ يهوديٌّ أو نَصْرانيّ، ألستُم تُجيزونَ ذلك معَ أن دواءَ اليهوديِّ أو النّصرانيِّ مظنون وأنتم من مُعاناة أبي يعزَى على يقين من الشفاءِ ومن مُعاناة غيره على شكّ؟ فبَلَغَ كلامي أبا يعزَى، فكان يقول: إذا رأيتُم شُعَيْبًا فقولوا له: عسى أن يعتنقَني، كأنه استَحسَنَ جوابَه عنه.

قال أبو علي (٣): وكان أبو مَدْيَن يقول: رأيتُ أخبارَ الصّالحين من زمن أُويس القَرَنيّ إلى زمانِنا، فما رأيتُ أعجَبَ من أخبار أبي يعزَى، وينبغي أن تُكتبَ بماءِ الذهب.


(١) الحكاية في التشوف: ٣٢٠ - ٣٢١.
(٢) المصدر نفسه: ٣٢١.
(٣) المصدر نفسه: ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>