للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للخمولِ، مقتصدًا في مطعَمِه وملبَسِه مُعانًا على ذلك مؤيَّدًا من الله تعالى، اقتفَى آثارَ شيخِه أبي محمد بن عَطِيّة وصاحبِه أبي صالح محمد بن محمد رحمَهم الله حتى بَلَغ من الوَرَع رُتبةً لم يُزاحَمْ عليها. أقرَأَ ببلدِه القرآنَ ودرَّس الفقهَ وأسمَعَ الحديث وأدَّب بالعربيّة، ولم يزَلْ معَ ذلك عاملًا على التخلُّص من الدنيا والفِرار بدييه إلى الله تعالى إلى أن توفِّي شيخُه أبو الحَسَن الشارِّيُّ آخِرَ رمضانِ تسع وأربعينَ وست مئة، فشَرَعَ إثْرَ ذلك في حركتِه إلى المشرِق بنيّة الحجِّ. وما ذُكِر (١) من أنّ رحلتَه كانت من مالَقةَ لأربع أو خمسٍ خَلَوْن من ربيعٍ الآخِر سنةَ تسع وأربعينَ فباطلٌ، وأبيَنُ بُطلانًا منه ما ذكَرَهُ ابن فَرْتُون من أن رحلتَه كانت سنةَ أربع. ولمّا وصَلَ مِصرَ عَظُمَ صِيتُه بها وشُهِرَ فضلُه عندَ أهلِها، وعُرف بالنُّبل والذّكاء، والطّهارةِ والزّكاء، وأقام بها متعذِّرًا عليه النفوذُ إلى الحِجاز إلى أن مرِضَ بها واستمرَّ مرَضُه سبعةَ عشَرَ يومًا تعَرَّض فيها لعيادة سُلطانِها حينئذٍ المَدْعوِّ [. . . .] (٢) متبرِّكًا به، فصَدَّه عن لقائه، ولم يزَلْ يُلحُّ عليه حتى أذِنَ له وعَرَضَ عليه جائزةً سَنِية فامتَنعَ من قَبولهِا البتّةَ، وتوفِّي، ولم يحجَّ، قُبَيلَ ظُهرِ يوم الثلاثاءِ لثمانٍ بقِينَ من ربيع الأوّل سنةَ ثنتينِ وخمسينَ وست مئة، ودُفن برَوْضة أبي بكرٍ الخَزْرَجيِّ رحمَهما الله، وشهِدَ جنازتَه السّلطانُ وخَلْقٌ لا يُحصَوْنَ كثرةً داعينَ متبرِّكين مُثْنِينَ عليه بأحوالِه الكريمة الصّالحة التي كان عليها رضي اللهُ عنه ونفَعَه، ومَولدُه بمالَقةَ سنةَ سبع وست مئة.

ومن شعرِه [المتقارب]:

خُطوطُ الشّيوخ [قوامُ] (٣) الكتابِ ... جَمالٌ يروقُ ومَجدٌ يَدومْ

عجِبتُ إليها على ضَعْفِها ... تُقوِّي الضّعيفَ وتَأْسو الكُلومْ


(١) بعد هذا بياض في الأصل.
(٢) فراغ في الأصل، كأن المؤلف لم يقف على اسم السلطان يومئذٍ، وكان سلطان مصر حينذاك هو المعز عز الدين أيبك بن عبد الله التركماني، وترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي ١٤/ ٧٧٣ وغيره.
(٣) زيادة منا لا يستقيم البيت إلا بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>