للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوى الفِضّة والآنِية والحِلْية، وأمَّا الأمتعةُ في المخازِن والكُسْوة والطيب والفُرُش فبحَسْبَ ذلك، ثم حاط ذلك بعِظَم الجاه وأثَّله بالحِرص على الاكتساب والجَمْع والمبالغة في المَنعْ حتى أضْعَفَت (١) أضعافاً، ولم يوفقْه اللهُ قطّ إلى بِرٍّ يصنَعُه أو خيرٍ أو وجهٍ من الوجوه المشكورة يضَعُه، مُضيفًا ذلك إلى الكِبْر والعُجب والصَّلَف والتِّيه، وكان قد وَلعَ قُبَيْلَ محنتِه ببيتٍ من الشعر لا يكاد يَفتُر عن إنشادِه أوانَ لعبِه بالشطرنج الذي كان أغلب شَهَواتِه عليه أو معنى يَسنَحُ له وهو [المتقارب]:

عيونُ الحوادثِ عنّي نِيامُ ... وهَضْمي على الدّهرِ شيءٌ حرامُ

وذاعَ بيتُه هذا في الناس وغاظَهم حتى قَلَبَ له مِصراعَه الأخيرَ بعضُ الأُدباء فقال: "سيوقظُها قَدَرٌ لا ينامُ"، فلم يكنْ إلا قليلٌ حتى تنبَّهتِ الحوادثُ لهَضْمِه، وتلك عادةُ الأيام في أُولي البَطَر والأشَر.

وتلخيصُ مقتلِه (٢): أنه كان وزيرًا لزُهَيرٍ العامِري المُستولي عليه، ولمّا أوقَعَ باديسُ بن حَبُوس بن ماكْسَن بن زيري بن مناد بجيشِ زُهَيْر هذا بالفونت بمقرُبةٍ من غَرناطة وترَدَّى زُهيرٌ يومَئذٍ من جُرفٍ هنالك خفيَ له مصرعه أسَرَ باديسُ خواصَّه، وكان فيهم أبو جعفرٍ هذا، ويقال: إنه كان الجارَّ هذه الحادثةَ على زُهير بسُوء تدبيره، فسَرَّح باديسُ كلَّ من أسَرَ منهم إلا أبا جعفرٍ هذا، فأخَذَ يَستعطفُه ويَضْرَعُ إليه في الإبقاءِ عليه وبَذَلَ في افتكاكِ نفسِه من إسارِه ثلاثينَ ألفَ مثقالٍ جَعْفريّة. قال بُلقينُ بن حَبُوس: دَخَلْتُ في بعضِ الأيام على أخي باديس، فألفَيْتُه معَ وُزرائِه وخاصّتِه، وكنتُ راكبًا على فَرَسي، فلِقيتُ ابنَ عبّاس خارجًا من عنده يَرْسُفُ في قيودِه، فلمّا بَصُرَ أخي بي استوقفَه على بُعدٍ منّا وقال: يا أخي، ما تقولُ في أمرِ هذا الرجُل الذي بَذَلَ ثلاثينَ ألفَ مثقالٍ


(١) في ق: "أضعف".
(٢) انظر مذكرات الأمير عبد الله بن بلقين ٣٤ - ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>