للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَرطَبي وابن محمد الكَوّاب، وأبو يحيى هانئُ بن الحَسَن (١) بن هانئ، وأبو الطاهِر أحمد بن عليّ الهَوّاري.

وكان مُقرِئًا مجوِّدًا، محدِّثًا مُكثِرًا، عَدْلًا خِيارًا، فاضلًا صالحاً وَرِعًا يتعيَّشُ مما يَعُودُ إليه في عملِ مَراوِح الحلفاء وما يُشبِهُها، كثيرَ التّلاوة للقرآن والبكاءِ عندها والخشوع فيها، خَطَبَ وأَمَّ بجامع غَرناطةَ بعدَ أبي عبد الله بن أحمد بن عَرُوس، وأسمَعَ به الحديثَ طويلًا، وأنْسَأَ اللهُ في أجَلِه فعَلَتْ روايتُه وتنوفِسَ في الأخْذِ عنه، وكان ثقةً فيما يَرويه وكتَبَ بخطِّه الكثير.

قال أبو عَمْرو سالم بن صالح بن سالم: سألتُه بغَرناطَة يومَ الأربعاء (٢) جُمادى الأُخرى سنةَ ثمانٍ وثمانينَ وخمس مئة عن مقدارِ ما نَسَخ، فقال: انتسَخْتُ في عُمُري ثمانيةَ آلاف وَرَقة. ومما يؤْثَرُ من فضله أنه قُتِلَ ولدُه فسِيقَ قاتلُه وثبَتَ عليه دمُه ووَجَبَ له (٣) قتلُه، فلمّا أُحضِر للموت ورأى أبو جعفرٍ السيفَ والحالُ قدِ اشتَدّ، جاءه وقال: يا بُنيّ، قتلتَ وَلَدي وقطَعْتَ كَبِدي! وعتِبَ عليه، ثُم عَفا عنه وسرَّحه، نفَعَه اللهُ وأعظم أجرَه.

مولدُه لعشَرْ خَلَوْنَ أو بقِين من رجبٍ، الشكُّ من والدتِه، سنة ثلاثَ عشْرةَ وخمس مئة. وتوفِّي فَجأة، أتى الجامعَ فركَع فيه فطَرَقَه وجَعٌ شديدٌ اضْطَرّه إلى مُبادرة الرجوع إلى دارِه، فساعةَ دخوله إلى منزله توفّي، وذلك بعدَ ظُهر يوم الخميس لليلةٍ بقِيَت من ربيع الأوّل سنةَ ثمان وتسعينَ وخمس مئة، ودُفن عقِبَ صلاة الجُمعة بعدَ يوم وفاتِه خارج باب إلبِيرةَ، وشهدَ جنازَته الوالي بغَرْناطة حينَئذ فمَن دونَه، وتهافَتَ الناسُ على نَعْشِه وعظُم تأسُّفُهم لفَقْدِ وكثُرَ ابتهالهُم إلى الله في الدُّعاء الصّالح والثناءِ الجميل عليه.


(١) في ق: "الحسين"، محرف، وهو مترجم في التكملة (٣٢٩٧).
(٢) بعد هذا فراغ في النسختين.
(٣) سقطت من ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>