للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكثيرَ وأحكَمَ تقييدَه، وأقرأ القرآنَ ورَوى الحديثَ وغيرَه، ودرَّس علومَ اللِّسان بجامع قُرْطُبةَ طويلاً وخَطَبَ به نحوَ ثلاثةِ أعوام، وكان -معَ قَماءةِ خَلْقِه- جَهِيرَ الصَّوت فصيحاً يُسْمِعُ على شاخَتِه مَن في أُخْرياتِ الجامع الأعظم على بُعد مسافة ما بينَهما، وشُهِرَ بالعدالة والطّهارة والزُّهد والوَرَع، وبينَ يدَيْه تخرَّجَ النُبهاءُ من طلبةِ العلم بقُرْطُبةَ وبه انتَفَعوا ومنه استفادوا، ورَحَلَ الناسُ إليه من الأقطار للأخْذِ عنه لمّا طال عُمُرُه وعَلَتْ روايتُه، وكان قدِ امتَدحَ بشِعرِه بعضَ ملوك عصرِه ثم نزَعَ عن ذلك واستغفَرَ اللهَ منه وفي رَفْضِه ذلك يقول [الطويل]:

ولمّا رأيتُ الناسَ طُرّاً تَكالَبوا ... ولم يَسمَحوا إلّا بكِذْبٍ من الوعدِ

ولم يُجْدِ مَدْحِيْهِمْ (١) فَتيلاً وزادَني ... غَناءً وحار القَصْدُ عن سَنَن القَصْدِ

نبَذْتُ لهم نَبْذاً وعُذتُ بخالقي ... ويا فوزَ من قد عاذَ بالصّمدِ الفردِ

بمن يملِكُ الأشياءً لا ربَّ غيرُهُ ... وَيرضَى بإلحاح السؤالِ عن العبدِ

فيا خالقي عَطْفاً عليَّ ورحمةً ... يَعُوذُ بها من لا يُعيدُ ولا يُبدي

مَوْلدُه فيما بينَ سنَتَيْ أربعٍ وثمانٍ وعشرينَ وخمس مئة، وأصابه غَشْيٌ وهو قائمٌ على المِنبَر يَخطُبُ يومَ جمُعة، فخَلَفَه في إتمام الخُطبة والصّلاة بالناس ابنُه أبو محمد عِصام، وتَوالَى مرَضُه ثلاثةَ أشهر أو نحوَها إلى أن توفِّي بقُرْطُبةَ بينَ صلاتَي الظُّهر والعصرِ من يوم الأربعاءِ لعَشْر بقِينَ من صفَرِ عَشْرٍ وست مئة، ودُفن إثْرَ صلاة العصر من يوم الخميس التالي ليوم وفاتِه بمقبُرة أُمِّ سَلَمةَ وبمقرُبةٍ من مسجد كَوْثَر.

٥٦٥ - أحمدُ (٢) بن محمد بن إبراهيمَ الخُشَنيّ، بضمِّ الخاءِ وفَتْح الشِّين المُعجَميْنِ ونون منسوبًا، قُرْطُبيّ، أبو جعفر، الأَجَّري، بفَتْح الهمزة وتشديد الجيم المعقودة وراء منسوبًا، إذ أصلُه منها.


(١) في م: "مَدْحُهم".
(٢) ترجمه ابن الأبار في التكملة (٢٦٥)، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٣/ ٣١٠، وابن ناصر الدين في توضيح المشتبه ١/ ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>