للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، سَمْحًا هَيِّنًا ليِّنًا متواضِعًا، صَليبًا في الحقّ لا تأخُذُه في الله لَوْمةُ لائم، سليمَ الباطن صحيحَ الدِّخْلة، مُلازِمًا الإمامةَ والأذانَ بمسجدِه عاليَ الصّوت، فإذا أذَّن سُمع من نحوِ أربعةِ أميال نفَعَه الله. وجمَعَ في السُّنن كتابًا حَفِيلًا سَمّاه "السَّبيل"، ووَصَفَه بعضُ من ذكَرَه أنه كان ذا حَظّ من الأدبِ وقَرْض الشّعر. وقد تقَدَّم في رَسْم ابنِه إبراهيم ما نُسِبَ إليه من الشِّعر وتبَيَّن هنالك أنّ ذلك الشعرَ ليس له.

وأنشَدتُ على شيخِنا القاضي أبي الوليد بن عُفَيْر رحمه اللهُ عن أبيه القاضي أبي أُمَيّةَ ممّا خاطَبَه به أبوه الشّيخ أبو الوليد سَعْدُ السُّعود ضِمنَ كتابٍ إليه [الكامل]:

ضرَبَتْ عليَّ رِواقَها الأنكادُ ... فبِساطُها الأحشاءُ والأكبادُ

ووِسَادُها قلبي وسافحُ أدمُعي ... لنزيلِها كأسٌ ولحميَ زادُ

أودَتْ ببعضِ بَنيَّ غائلةُ الرَّدى ... ونأَتْ ببعضِهمُ عليَّ بلادُ

فنَعِيُّ إبراهيمَ شبَّ بأضْلُعي ... لَهَبًا، مَشيبُ الرأسِ عنهُ رمادُ

وأذمَّ عُمْري بعدَ فَقْدِ محمدٍ ... أنْ لم يَحِنْ منه عليه نَفَادُ

حَسْبي دموعٌ مَن يُعايِنْها يَقُلْ ... متعجِّبًا: أمِنَ الجُفونِ عهادُ؟!

ولوَ أنَّ إسماعيلَ يَبعَثُ صُحْفَهُ ... نَحْوي رُقًى نفَثاتُهنَّ مِدادُ

لَنَفَى شياطينَ الأسى عن أضلُع ... لم يَثْوِ فيها منذُ شطَّ فؤادُ

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: أنا أُبعِدُ أن يكونَ هذا النَّظمُ لأبي الوليد هذا، فقد وقَفْتُ في "برنامَجه" الذي كتبَه بخطِّه إلى بعضِ سائلي الرواية عنهُ على ضروب من الخَلَل والتّصحيف الشَّنيع وفسادِ الهجاء ممّا يَكادُ أيسَرُه يُناقضُ التلبُّسَ بأدنَى رُتبةٍ من العلم أو الارتسام به جُملةً، ولعلّه كَلَّفَه غيرَه فأنشَأَها له وبعَثَ بها إلى ابنِه وهو الظاهرُ والله أعلم، فأجابَه وهُو حينَئذٍ ابنُ سبعةَ عشَرَ عامًا, ولم يكنْ قبلَ ذلك رأى له نَظْمًا فقَصَدَ اختبارَ فأجابه بقولِه [٧ ب] [الكامل]:

<<  <  ج: ص:  >  >>