للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان شَيْخًا جليلًا أديبًا، كاتبًا شاعرًا، عاكفًا على الخَيْر، مائلًا إلى الزُّهد، من بيتِ نَباهة شهيرِ الذِّكْر؛ وَزَرَ أبوه للمُعتمِد بن عَبّاد، ودخَلَ أبو الحَسَن هذا على المعتمِد مادحًا له وسِنّه دون العشرين فاستَنْبَلَه واستَحسَنَ ما أتى به وأجزَلَ صِلتَه وأسنَى جائزتَه وألحَقَه في ديوانِ الشُّعراء، وطال عمُرُه كثيرًا.

وله خُطَبٌ بارعة منوَّعةُ المقاصِد، ومقاماتٌ سَبْع تصرَّف فيها أبرعَ تصرُّف وأجاد في رَصْفِها، وتصانيفُ في الآداب والزُّهد والحِكَم، منها: كتابٌ حسَن وَسَمَهُ بـ "الذخائر والأعلاق في آدابِ النفُوس ومكارِم الأخلاق" (١) أحسَنَ انتقاءَ ما ضمَّنه، وأودَعَه جُملةً وافرةً من شعره.

ومن نَظْمِه واصلًا بيتَي الحَريريّ الواقعَيْنِ أثناءَ المَقامةِ السّادسة والأربعينَ من "مقاماتِه"، وهما اللّذانِ قال فيهما: أسكَتا كلَّ نافث، وأَمِنَا أن يُعَزَّزا بثالث، وهما [السريع]:

سِمْ سِمةً تحسُنُ آثارُها ... واشكُرْ لَمن أَعطَى ولو سِمْسِمَهْ

والمَكْرُ مهما اسْطَعْتَ لا تَأْتِهِ ... لتَقْتَني السُّؤدَدَ والمكرُمَهْ

فزادَ أبو الحَسَن سلَامٌ عليهما:

والمَهْرَ مَهْ لا تُغْلِهِ أو تَرَى ... شديدةَ البعدِ منَ المَهْرَمَهْ

والمَسْ لِمْهوى القُرْطِ منها الذي ... يحِلُّ للمسلمِ والمُسْلِمهْ

والمَحرَمَ اهجُرهُ فإتيانُهُ ... يَدعو إلى الشَّقْوةِ والمَحْرَمهْ

وقد تعاطَى جماعةٌ من الشُّعراء تذييلَ بيتَي الحَريريّ المذكورَيْنِ بما كان سكوتُهم عنه أصوَنَ لافتضاحِهم وأستر، وإخلادُهم إلى حَضِيض العَجْز عن مُساماتِه في [١٥ ب] أَوْج إجادتِه أَوْلَى بهم وأجدَر، فمِن مُطيلٍ غيرِ مُطِيب،


(١) مطبوع في القاهرة سنة ١٢٩٨ هـ (اكتفاء القنوع ٢٠٣)، وهو من كتب المحاضرات التي وصفها الدكتور محمد بن شريفة في أطروحته عن أمثال العوام في الأندلس.

<<  <  ج: ص:  >  >>