للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في رياضٍ تَبَسَّمَ الزَّهرُ فيها ... لغَمامٍ بكَتْ دموعَ دلالِ

وجَرَى عاطرُ النّسيم عليلًا ... يتَهادَى بين الصَّبا والشَّمالِ

فاكتَسَى النَّهرُ لَأْمةً منهُ لمّا ... أنْ رمَى القَطْرُ نحوَه بنِبالِ

[يا ليالي مِنًى سلامٌ عليها ... أتراها تعودُ تلك اللّيالي؟]

قوله: "أعجَمَتْ بالسِّماك نونَ الهلالِ" غلَطٌ جَرى عليه جُمهورُ الكُتّاب؛ لأنّ النونَ المتطرِّفةَ لا وَجْه لنَقْطها، إذْ هي متميِّزةٌ بصورتِها، وإنّما تُنْقَطُ مبتدأً بها وموَسَّطة، وحالُها في ذلك حالُ الفاءِ والقافِ والياءِ المسفولة، فإنّهنّ إذا ما تطَرَّفْن تميَّزْنَ بصُوَرِهنّ، فاستُغنيَ عن نَقْطِهنّ؛ إذِ الداعي إلى النَّقْط خوفُ الإلباس، فإذا ارتفعَ الإلباسُ كان الإعجامُ عَبَثًا وكُلفةً لا جَدْوى [فيها] , والهلالُ إنما يُشبَّهُ بالنونِ المتطرّفة كما يُشبَّهُ بالراء أول ليلة، واللهُ أعلم.

ومنه في التشبيهِ أَيضًا من قصيدة (١) [الوافر]:

وليلِ صبابةٍ (٢) كالدهرِ طُولًا ... تنكَّرَ لي وعَرَّفَهُ التَّمامُ

كأنّ سماءَه رَوْضٌ تَحلَّى ... بزَهْرِ الزُّهر، والشّرقُ الكُمامُ

كأنّ البدرَ تحتَ الغَيْمِ وجهٌ ... عليه من ملاحتِهِ لِثَامُ

كأنّ الكوكبَ الدُّرّيَّ كأسٌ ... وقد رَقَّ الزُّجاجةُ والمُدامُ

كأنَّ سُطورَ أفلاكِ الدَّراري ... قِسِيٌّ والرّجومُ لها سهامُ

كأنّ مدارَ قُطْبِ بناتِ نَعْشٍ ... نَدِيٌّ والنجومُ به نِدَامُ

كأنّ بناتِه الكُبرى جَوارٍ ... جَوارٍ والسُّهَى فيها غلامُ

كأنّ بناتِه الصُّغرى جُمَانٌ ... على لَبَّاتِها منه نظامُ


(١) انظر الوافي, الورقة ٣٦.
(٢) الوافي: بته.

<<  <  ج: ص:  >  >>