للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدِمتُ أبا مَرْوان حين وجدتُهُ ... ولم تَبْقَ في يُسْرى خلائقِه عُسْرا

وحين أقَرَّ العينَ شرخُ شبابِهِ ... وتَمَّتْ به النُّعمى وحَفَّتْ به البُشْرى

وكنتُ إذا أيقَظْتُه لِمَلَمّةٍ ... أخَذْتُ الكَرى عن مُقلةٍ منه لا تَكْرَى

وطارتْ به الجُلَّى إلى كلِّ هَيْعَةٍ ... وأَثباجُها تُطْوى وأوداجُها تُفْرى

ومِن قبلُ ما خاضَ البِحارَ مُصممًا .... إلى البيتِ حتّى استَلْأمَ الرُّكنَ والحَجْرا [١٠ و]

وقفَّى إلى قبرِ الرسُول بزَوْرةٍ ... فقَضَّى ووَفَّى الحقَّ والفَرْضَ والنَّذْرا

وعَفَّرَ في تلك المعالِم وجهَهُ ... سُجودًا لمَوْلًى يملِكُ الخَلْقَ والأمْرا

وقد كنتُ في تلك السّبيل احتَسَبْتُهُ ... واضمَرْتُ يَأْسًا عن لقائي لهُ صَبْرا

فرُدَّ على رَغْم الخطوبِ مُسلَّمًا ... وقد حازَمن آثارِه في التُّقى فَخْرا

وزِدتُ به وَجْدًا كما ازداد غِبْطةً ... وحُزتُ إلى عُمْري برَيْعانِه عُمْرا

وطَوَّلْتُ آمالي رجاءَ بقائه ... فأسفَرَ ذاك الطُّولُ عن مُدةٍ قَصْرا

وأسلَمَني في كُرْبةٍ مُدْلَهمّةٍ ... نزَلْتُ، ولم أملِكْ، على حُكمِها قَسْرا

تُقسِّمُني ما بينَ حيٍّ وميِّتٍ ... فمِنْ مَعْشَرٍ قَتْلَى ومن مَعْشَرٍ أَسْرى

وكان ظَهِيرًا لي عليهمْ وفيهمُ ... اشُدُّ به أزْرًا وأَحمي به ظَهْرا

فهَوَّنَ عندي فَقْدُه فَقْدَ مَن مَضَى ... وصارتْ به الكُبرى التي كانتِ الصُّغْرى

وما مات إلّا بعدَ ما مات قِرْنُهُ ... ولاقاهُ من هبَّاتِهِ الضَّيْغمُ الأَضْرى

فَرَاهُ بِيُمناهُ بصارمِ نفسِهِ ... وخَلَّى على كُرْهٍ لصاحبِهِ اليُسرى

وما زال أقرانُ الظهورِ مَقاتلًا ... وكيف تَوَقِّي الموتِ من حيثُ لا يُدْرَى

وما ساقَ ذاك الحَتْفَ إلا شهادةٌ ... ترَكْتَ بها في كلِّ منزلةٍ نَشْرا

<<  <  ج: ص:  >  >>