للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعوَّضْتَ من فانٍ بباقٍ مخلَّدٍ ... وعوَّضتَني منكَ التأسِّيَ والأجرا

فمِن منزلِ البَلْوى إلى منزلِ الرِّضا ... ومن عَرَض الدُّنيا إلى جَوْهرِ الأُخرى

سأصبِرُ إلّا عن سَوابقِ عَبْرةٍ ... أرى أبدًا جَفْني بتصريفِها (١) يُغرَى

وما عَذَّبَ الرّحمنُ بالدَّمع باكيًا ... يُداري بدمعِ العَيْن في قلبِه جَمْرا

وما مَفْزَعُ المحزونِ إلّا إلى البُكا ... وكلُّ حَزازاتِ القلوبِ به تُقْرا

وفي وَجْدِ يعقوب بيوسُفَ أُسوةٌ ... فلا تَعذِلوني اليومَ في عَبْرةٍ تُذْرَى

وكلُّ فتًى قد كان للعينِ قُرّةً ... سيَملؤُها حَرًّا كما مُلئتْ قَرّا

سَقَتْ جَدَثًا واراكَ كلُّ غَمامةٍ ... تُكَشّفُ عن أرضٍ حلَلْتَ بها الضُّرّا

وحيَّاكَ عنّي كلُّ رَوْح ورحمةٍ ... وما شئتَ من نَوْرٍ ومن رَوْضةٍ خَضْرا

ويا كبِدي هلّا تفَطَّرتِ حَسْرةً ... ويا أدمُعي هلّا جرَيْتِ له حُمْرا

ويا فَرَطي إنّي ذَخَرْتُكَ لي غنًى ... ليومٍ يعودُ الأغنياءُ به فُقْرا [١١ و]

ويا مُودِعيهِ في الثَّرى هل عَلِمتمُ ... بأنَّ له في غيرِ أرضِكمُ قبرا

نعَمْ، كلُّ قبرٍ قبرُهُ فإذا بَدَا ... قرَأْتُ عليه من تَذكُّرِه سَطْرا

وإن لم أَزُرْهُ في الحياةِ وربّما ... فموعِدُنا المضروبُ نجعَلُه الحَشْرا

وقال ليَ الإخوانُ: هلّا نقَلتَهُ ... وما نَقْلُ من بَوَّأْتُهُ القلبَ والصَّدْرا؟!

أأقْربُ من فِكري وذكْري وخاطري ... فأمضيْ له ظَهْرًا وأَحْدو به سَفْرا

أَعُقُّ بها أوصاَلَهُ لو فعلتُهُ ... وأرهقُهُ في غيرِ مَحْمَدَةٍ عُسْرا

وأُنْصِبُ مَنْ رَدَّ الألهُ حياتَهُ ... وأوسَعَها لمّا طَوى عُمْرَهُ نَشْرا

أَلا إنني استودعتُهُ اللهَ وحدَهُ ... وحَسْبي بنَصْرِ الله في ظُلمةٍ نَصْرا


(١) م ط: "بتطريفها"

<<  <  ج: ص:  >  >>