للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما مرَّ يومٌ من حياتِكَ عاطلًا ... بل كان بالتَّقوى مُحلًّى مُخْمَلا

واللّيلُ يَعرِفُ منكَ (١) نِضوًا خاشعًا ... لله يَسكُبُ فيه دمعًا مُسْبَلا

ما ذاق طَعْمَ النومِ إلّا خِلسةً ... بَخِلتْ على أجفانِه أن يُكحِلا

فطَواهُ بينَ ركوعِهِ وسجودِهِ ... بدموعِ تقواهُ مندًّى مخضلا

أحشاؤُهُ موقوذهٌ ولسانُهُ ... يُهدي إلى الله الكتابَ مُرَتّلا

ماذا أُؤَمِّلُ بعدَ وَضْعِك في الثَّرى ... هَيْهات أخطأَ آملٌ ما أمَّلا

يا واهبَ العِلْقِ النَّفيسِ أخذْتَهُ ... فاجعَلْهُ في دارِ الرِّضا مُتَقَبَّلا

ولقد فَقَدْتُ سَمِيَّهُ مِنْ قبلِهِ (٢) ... مُتضرِّجًا بدَمِ الفؤادِ مُقَتّلا

رُزْءٌ على رُزْءٍ تتابَعَ ثُكْلُهُ ... وكما ثَكِلْتُ فغايتي أن أُثكَلا

عزَّيْتُ نَفْسي عنهما ولربّما ... غَلَبَ البكاءُ تجلُّدي فاستَرْسَلا

يا أيُّها السَّهمُ المُغَبُّ لوقتِهِ ... لا بدَّ يومًا أن تُصيبَ المَقتَلا

عُذْرًا أبا مَرْوانَ عِشتُ ولم أمُتْ ... كَمَدًا عليكَ وكان مَوْتي أسهَلا

فاذهَبْ كما ذهبَ الحَيَا أحيَا الرُّبَى ... عُلْوًا وغادرَ كلَّ خَفْضٍ مَنْهَلا

فلقد ترَكْتَ بناءَ صدقٍ خالدًا ... يبقَى جديدًا والجديدُ إلى بِلى

يا ليتَني قدمِتُّ قبلَكَ سابقًا ... وبقِيتَ بعدي ثابتًا متَهلِّلا

يَأْوي إليكَ طليقُنا وأسيرُنا ... وتَفُكُّ رِبقةَ (٣) كلِّ عانٍ مُبتَلَى [١٣ و]


(١) في م ط: "منه".
(٢) يقصد عبد الملك ولد صاحب المرثية وقد مرت ترجمته وقصيدة والده في رثائه في هذا السفر (الترجمة ٩١).
(٣) في م ط: "ربعة"

<<  <  ج: ص:  >  >>