للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن المخففة تخفيفا بين بين في حكم المحققة (١). وقال المطرزى: العرب تقول: أومى برأسه، أى: قال لا، يعنى بترك الهمز. فثبت صمحه ما منعه الركبي.

ونبه إلى أن "طرأ" مهموز، وذلك، لجريان لفظ "الطريان" على ألسنة الفقهاء، وقد ورد كثيرا في الوجيز (٢) للغزالى، كقوله: "طريان ما يغير مقدار الدية" (٣) وقد أجازه النسفى في طلبة الطلبة (٤)، على سبيل تليين الهمزة للتخفيف، ولا وجه لتسهيل الهمزة المفتوحة في مثل الطرآن، وقد خطأ المطرزى هذا التسهيل في قوله: "وأما الطريان فخطأ أصلا" (٥).

ونراه يتابع الجوهرى في إنكار قولهم "توضيت" وهذا على أن اللغة الفصحى: توضأت، وقد تابع الجوهرى (٦) اللغويين المتشددين في تنقية العربية، كابن السكيت (٧) وابن قتيبة (٨)، وقد وضعا هذا القول في جملة كلام العوام ونصوا على أن الأفصح توضأت بالهمز. وفي الكتاب الذى وضعه ابن برى في غلط الضعفاء من الفقهاء (٩) قولهم: توضيت.

وهذا صريح في أن التسهيل خطأ من العوام، غير أن متابعة الهمزة في هذا الموضوع، أى: كونها مفتوحة: ما قبلها مفتوح، فضلا عن تطرفها، ووجود نظائر لها وقع فيها التسهيل، كل هذا يبيح تسهيلها وابن السكيت الذى أنكر مثل هذا التسهيل إباحة في مثل أرجأ، فقال: تقول: هذا رجل مرجىء وهم الرجئة وإن شئت قلت: مرج، وهم المرجية؛ لأنه يقال: أرجأت الأمر وأرجيته: إذا أخرته (١٠).

وابن قتيبة يقر أرجيت، حيث وضع تسهيلها مع تحقيقها على قدم المساواة في أداء المعنى، فقال في باب ما يهمز أوسطه من الأفعال (١١)، ولا يهمز بمعنى واحد: أرجأت الأمر وأرجيته. وذكر فيه: تأممت وتيممت وابن برى يعترف بأنه يجوز أن يقال: استبريت الجارية، على لغة ضعيفة (١٢) ويقر أيضًا. بأنه: ليس أحد يقول بَدِيت بمعنى بدأت إلا الأنصار، والناس كلهم بَدَيْت وبدأت. وعليه قول شاعرهم ابن رواحة:

باسم الِإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا (١٣)

والفيومى يجعل التسهيل في مثل هذا قياسا، فيقول: إن تسهيل همزة الطرف في الفعل المزيد، وتسهيل الهمزة الساكنة قياس، فيقال: أرجأت الأمر وأرجيته، وأنسأت وأنسيت، وأخطأت وأخطيت، وتوضأت وتوضيت، وهو كثير فالفقهاء جرى على ألسنتهم التخفيف (١٤).

وعن أبي زيد، قال: وقال أبو عمر الهذلي: قد توضيت، فلم يهمز وحولها ياء (١٥). وكل هذا يدل على جواز التسهيل فما منع ابن بطال الفقهاء منه، كما يؤكد ما ذهبنا إليه من أنه كان يتابع المتشددين في تنقية اللغة العربية.


(١) اللسان (ومأ ٤٩٢٦).
(٢) أنظر الوحيز ١/ ٨٨، ٣/ ٩٠.
(٣) ٢/ ١٢٩.
(٤) ص ٦٥.
(٥) المغرب (طرأ).
(٦) في الصحاح (وضأ).
(٧) في إصلاح المنطق ١٤٩.
(٨) في أدب الكاتب ٣٦٦.
(٩) لوحة ١.
(١٠) إصلاح المنطق ١٤٦.
(١١) أدب الكاتب ٤٧٥.
(١٢) غلط الضعفاء من الفقهاء لوحة ٢.
(١٣) اللسان (برى ٢٣٥).
(١٤) المصباح (جزأ).
(١٥) اللسان ٢٦ ط دار المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>