للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعرض هذا الجمع لانتقاد بعض اللغويين.

وفي قولهم: "الصلاة خير من النوم" يقول: المخايرة والمفاضلة تكون بين متفاضلين، أو متساويين، لأن لفظة أفعل تستعمل في شيئين يشتركان في الفعل، ويكون لأحدهما على الآخر مزية، فكيف يقال: "الصلاة خير من النوم"؟ ومعلوم أن النوم ليس مساويا للصلاة، ولا مناضلا لها، فيحتمل أن يكون ها هنا محذوف تقديره: اليقظة للصلاة خير من النوم. وقيل: إن النوم فيه الراحة، وهى معنى السبات الذي من الله به على عباده بقوله: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} (١) أى: راحة لأبدانكم. فمعنى "الصلاة خير من النوم" أى: الراحة التى تعتاضونها يوم القيامة من شدة وطء قيام الليل ومكابدته خير من راحة النوم الذى هو أخو الموت. وقيل: المعنى: الخير في الصلاة لا في النوم، مثل قوله تعالى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. ومعلوم أن الهدى مع النبي ومن معه (٦٠، ٦١).

ويقف القاريء على فروق نادرة لا يعرفها إلا الخاصة، وذلك في قول الشيرازي: وتقف إمامة النساء وسطهن (٢) فينبه إلى أن وسْط بالتسكين، لأنه ظرف، يقال: جلست وسْط القوم بالسكون؛ لأنه ظرف، وجلست وسط الدار بالتحريك، لأنه اسم ويقول: كل موضع صلح فيه "بين" فهو وسط بالتسكين، وإن لم يصلح فيه "بين" فهو وَسَط- بالتحريك، وربما سكن وليس بالوجه (١٠٣).

هذا إضافة إلى ما بثه في الفروق، وما هو منثور بين دفتى الكتاب من درر يحتاج اليها الفقيه فضلا عن اللغوى معرفتها وتحصيلها لكى تتم به الفائدة.

[الظواهر الفقهية]

الركبي فقيه في المقام الأول، وإن كان لغويا، ونحويا، وأدبيا، وشاعرا. وعلى الرغم من أنه بدا بكتابه النظم المستعذب لغويا محضا، إلا أن سمته الفقهية كانت تغالبه، وتطل برأسها معلنة عن نفسها. وقد تشكل ظهورها بصور متنوعة، ومنها:

[تقييد الاصطلاح في الشرع]

نحو قوله: التيمم في الشرع: هو القصد إلى الصعيد، ثم كثر حتى المسح بالتراب تيمما (٤٣).

والحدث في الفقه: ما ينقض الوضوء (٩).

قال أصحابنا الفقهاء: الأرت: هو الذى يدغم أحد الحرفين في الآخر، فيسقط أحدهما، ووجد في أصل الشيخ أبي إسحاق على ظهر الجزء: الأرت: الذى في لسانه رتج ينعقد به اللسان ثم ينطلق (١٠١).

قال أصحابنا الفقهاء: الماء المطلق: هو ما لم يضف إلى ما استخرج منه، والذى خالطه ما يستغنى عنه، ولا استعمل في رفع حدث ولا نجس، والمقيد: هو الذى فيه إحدى هذه الصفات كماء الورد، والماء الذى اعتصر من الشجر، وماء الباقلى. هذا مضاف إلى ما استخرج منه والذى خالطه ما يستغنى عنه، كالطحلب، والزعفران، والملح الجبلى، والماء المستعمل، كأن هذه الصفات قيدته على معناه، فلم تتجاوزها إلى


(١) سورة النبأ آية ٩.
(٢) في المهذب ١/ ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>