للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الناس بلسان الوعظ، وظهر له صيت بالزهد، وكان له سَمْتٌ وصمتٌ، وضاقت المدرسة بالناس، وكان يجلس عند سور بغداد مستندًا إلى الرباط ويتوب عنده في المجلس خلق كثير، فعمرت المدرسة ووسعت، وتعصب في ذلك العوام، وأقام في مدرسته يدرس إلى أن توفي، انتهى.

وذكره ابن السمعاني، فقال: حصل له القبول التام من الناس، واعتقدوا ديانته وصلاحه، وانتفعوا بكلامه ووعظه، وانتصر أهل السنة بظهوره، واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته، وهابه الملوكُ فمَنْ دونهم.

قال الشيخ موفق الدين صاحب "المغني": لم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عن الشيخ عبد القادر، ولا رأيت أحدًا يعظم من أجل الدين أكثر منه. وذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام: أنه لم تتواتر كرامات أحد من المشايخ إلا الشيخ عبد القادر؛ فإن كراماته نقلت بالتواتر. قال ابن رجب: جمع المقرىء أبو الحسن الشنطوفي المصري في أخباره ومناقبه ثلاث مجلدات، وقد رأيت بعض هذا الكتاب، ولا يطيب على قلبي أن أعتمد على شيء مما فيه، وذلك لكثرة ما فيه من الرواية عن المجهولين، وفيه من الشطح والطامات والدعاوى والكلام الباطل ما لا يحصى، ولا يليق نسبة مثل ذلك إلى الشيخ عبد القادر - رحمه الله -.

ثم وجدت الكمال جعفرًا الأدبوي، قد ذكر: أن الشنطوفي كان متهمًا في نفسه فيما يحكيه في هذا الكتاب بعينه، وذكر في هذا الكتاب، قال: جاءت فتيا من بلاد المعجم إلى بغداد - بعد أن عرضت على علماء العراقيين، فلم يتضح لأحد فيها جواب شافٍ، وصورتها: ما تقول العادة في رجل حلف بالطلاق الثلاث إنه لا بد أن يعبد الله - عز وجل - عبادة ينفر بها دون جميع الناس في تلبسه بها، فما يفعل من العبادات؟ فكتب عليها على الفور: يأتي مكة، ويخلَّى له المطافُ أسبوعًا وحده، وتنحل له يمينه، فما بات المستفتي ببغداد.

فأما الحكاية عنه: أنه قال: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله، فقد ساقها هذا المصنف من طرق متعددة، وأحسنُ ما قيل في هذا الكلام ما ذكره الشيخُ

<<  <   >  >>