للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العالم العادل عون الدين جلال الإسلام الصفي الإمام شرف الأنام معز الدولة مجير الملة عماد الأمة مصطفى الخلافة تاج الملوك والسلاطين صدر الشرق والغرب سيد الوزراء ظهير أمير المؤمنين، انتهى.

قال محرر هذه السطور: وحالي صارت كحاله في هذه الحال، فإني كنت إمرأً فقيرًا في أول أمري، واحدًا من الخدم الرياسية [الدولة] منسلكًا في زمرة الإنشاء، ثم في نظارة المدارس إلى أن اقتنت الرئيسة إياي من بينهم لهذا الشأن الذي تراه، وعملت في هذه الحالة تفسيرًا في أربع مجلدات، وأنفقت عليه من المعلوم ما بلغ خمسًا وعشرين ألفًا [ربية]، ولله الحمد.

قال ابن رجب: ولما ولي الوزارة، بالغ في تقريب خيار الناس من المحدِّثين والفقهاء والصالحين، واجتهد في إكرامهم، وإيصال النفع إليهم، وارتفع به أهل السنة غاية الإرتفاع. قال ابن الجوزي: وكان إذا استفاد شيئًا، قال: أفادنيه فلان. وكان بعض الفقراء يقرأ القرآن في داره كثيرًا، فأعجبه، فقال لزوجته: أريد أن أزوجه ابنتي، فغضبت الأم من ذلك.

وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء، وقال: ما وجبت عليَّ زكاة قط. قلت: وفي ذلك يقول بعض الشعراء:

يقولون يحيى لا زكاةَ لمالِه ... وكيفَ يزكِّي المالَ مَنْ هو باذِلُهْ

إذا دار حولٌ لا يُرى في بيوته ... من المال إلا ذكرُه وفضائلُهْ

وكان يتحدث بنعم الله تعالى عليه، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، ويجتهد في اتباع الحق، ويحذر من الظلم، ولا يلبس الحرير، وكان مبالغًا في تحصيل التعظيم للدولة العباسية، قامعًا للمخالفين بأنواع من الحيل.

قال صاحب سيرته: وكان لا يلبس ثوبًا يزيد فيه الإبريسم على القطن، فإن شك في ذلك، سل من طاقاته، ونظر هل القطن فيه أكثر أم الإبريسم؟ فإن استويا، لم يلبسه، قال له بعض الفقهاء: يا مولانا! إذا استويا، جاز لبسُه في أحد الوجهين لأصحابنا، فقال: إني لا آخذ إلا بالأحوط. وذكر يومًا بين يديه أنه

<<  <   >  >>