للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان في غالب أوقاته دهشًا، وبصره شاخصًا، لا يسمع مَنْ يكلمه ولا يراه، فتارة يكون واقفًا، وتارة يكون قاعدًا، وتارة يكون مضطجعًا على جنبه، وتارة يكون مستلقيًا على ظهره مغطًّى كالميت، ويمر عليه عشرة أيام متواصلة - وأقل من ذلك وأكثر - وهو على هذه الحالة، لا يأكل ولا يشرب، ولا يتكلم ولا يتحرك، ثم يستفيق وينبعث من هذه الغيبة، ويكون أول كلامه أنه يملي من القصيدة ما فتح الله عليه، فجاءت قصيدة غراء، وفريدة زهراء، لم ينسج على منوالها، ولا سمح خاطر بمثلها، وهي مذكورة في ديوانه، المسمى "بالبحر الفائض في ديوان ابن الفارض"، وهو الذي شخصت إليه الأعين، وانبهرت به الأفكار؛ لسمو معانيه، وحسن أسلوبه، وقال جماعة: إنه لم ينظمها على حد نظم الشعراء أشعارهم، بل كانت تحصل له جذبات يغيب فيها عن حواسه نحو الأسبوع والعشرة أيام، فإذا أفاق، أملى ما فتح الله عليه منها، ثم يدع حتى يعاود ذلك الحال.

طبع ديوانه في بيروت، وفي الديار المصرية، وعليه شروحات كثيرة، وكَفَّرَ ابن الفارض برهانُ الدين إبراهيم بن عمر البقاعي، في كتاب سماه: "تدمير المعارض في تكفير ابن الفارض"، فرد عليه بعضهم مبرئًا ابن الفارض مما اتهم به.

٣٤١ - ابن الفصيح: هو فخر الدين، أبو طالب أحمد بن علي بن أحمد، الهمدانيُّ، يعرف بابن الفصيح الكوفيُّ.

كان إماما عالمًا علامة معظمًا معيدًا مدرسًا، له صيت في بلاد العراق، ثم قدم دمشق، فأكرمه الطنبغا نائب الشام، ودرَّس، وكان من فقهاء الحنفية، له مؤلفات. أرخ الذهبي مولده سنة ٦٧٩ تقديرًا. وأرخ الصفدي وجزم به سنة ٦٨٥. قال الذهبي: أفتى ودرَّس وناظر، وظهرت فضائله. وقال الكمال جعفر: نظم الكثير، وأجاز له إسماعيل بن الكيال، وتقدم في العربية والقراءات والفرائض وغيرها، كان كثيرَ التودد، لطيفَ المحاضرة، تصدَّر ببغداد لإقراء العربية، وهو القائل:

<<  <   >  >>