للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم. ولكونه كان بهذه المثابة، عُتِبَ عليه حين استقرَّ في تدريس الشَّافعي، بد بدأ بالدُّخول لمحل الدَّرس مع اعتذاره عن عدم الابتداء بالزِّيارة، بخشية الإطالة على الجماعة الذين قصدوا الموافاة، والزيارةُ تحصُلُ بعدَ الفراغ مِنْ القصد الذي جِيءَ بسببه، والأعمالُ بالنِّيَّات.

[[تهجده:]]

وأما تهجُّده، فما كان يتركُه، بل أخبرني غير واحد ممن رافقه في السَّفر أنَّه كان يقوم اللَّيل في السَّفر أيضًا، وكذا لم يتركه في ضعف موته قائمًا، بل ربَّما توكأ على ولده إلى أن أعيى، وذلك قبل وفاته بأربعة أيام.

وأما أنا، فبتُّ معه عقِبَ وفاة ابنة أخت أم أولاده بتربتهم بجامع المارداني، فصلَّينا معه العشاء بالجامع المذكور، ورجعنا فنام والتفّ في لحاف حتَّى مضى مِنَ اللَّيل النِّصْفُ فيما أظنُّ، ثم استيقظ والجماعة كلُّهم نائمون، واتَّفق أنَّني كنت مستيقظًا، فهممتُ لأقوم معه، فمنعني وهو في سكون زائد ورشاقة، خوفًا مِنَ استيقاظ أحدٍ، فدخل الخلاء، ثم توضأ وضوءًا خفيفًا جدًا في تمام على جاري عادته، واستقبل المحراب، فصلَّى إلى أن غلبني النَّومُ، وكان يطيل القيام وكأنَّه كان يقرأ راتبا مِنَ القرآن في تهجُّده، ثم استيقظتُ فأجده نائمًا، وأظنُّه استمر كذلك إلى أن قام لصلاة الصبح، وقمنا معه، فصلينا بالجامع المارداني أيضًا، ورجع كلٌّ إلى محله (١).

[[صومه:]]

وأما صومه، فكان رحمه اللَّه يسرُدُ الصَّوم أوَّلًا، ثم صار يصومُ يومًا ويفطِرُ يومًا، مع الحِرص على صوم تاسوعاء وعاشوراء، وعرَفَة وستَّة شوال، ويأكل وقت الفِطْرِ يسيرًا، ثُمَّ يتسحر بشيءٍ يسير كذلك قريب الفجر جدًا.

وأظنُّه كما كان يقصِد في الصَّوم صومَ داود عليه السلام، كذلك كان


(١) في هامش (ح) بخط المصنف: ثم بلغ الشَّيخ عبد العزيز بن فهد نفع اللَّه به, قراءة علي في ٢٤ والجماعة سماعًا.