للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقامُ النُّبُوَّة في برزخٍ ... فُوَيْقَ الرَّسول ودُون الولي

ويتعجَّب مِنَ الإقدام على مثل هذا، ويُبالغ في الحطِّ على مَنْ يعتقدُه أو ينظر في مقالته، ويمقته بسبب ذلك لفظًا وخطًّا، ويتوقَّفُ في الرواية عَنِ الدَّاعية منهم.

واتفق أنَّه قبل القرن باهلَ شخصًا متجوهًا مِنْ معتقديه، فما تمَّت السَّنَةُ حتَّى هلك ذاك، وكفى اللَّه شرَّه، كما بيَّنَتْ القصَّة في "تصنيفي" المتعلق بابن عربي، بل وفي أوائل هذا الباب أيضًا (١)، أهلك اللَّه تعالى أتباعه ومن يعتقدُ مقالتَه.

وحكى لنا صاحبُ التَّرجمة، وأثبتهُ في "اللسان" (٢) مِنْ تصانيفه: أنَّه سأل شيخَ الإسلام السِّراج البُلقيني عن ابن العربي، فبادر الجواب بأنه كافرٌ، وسأله عَنِ ابنِ الفارض، فقال: لا أحب أن أتكلَّم فيه. قال: فقلت: فما الفرقُ بينهما والموضعُ واحدٌ، وأنشدتُه مِنْ التائية، فقطع عليَّ بعد إنشادِ عدَّة أبياتٍ بقوله: هذا كفر هذا كفر! انتهى.

وقد بلغني عَنْ بعض الثِّقات ممن أخذ عن شيخنا أنَّه سمع صاحبَ التَّرجمة يقول: ثلاثةٌ أُلينَ لهم النَّظم كما أُلين لداود الحديد، وهم: الشَّاطبيُّ وابن الوردي وابن الفارض. انتهى.

وسمعتُه مرارًا يقول عن ابن الوردي مما أثبته في ترجمته (٣): أقسم باللَّه لم ينظمْ أحدٌ بعده الفقه إلَّا وقصر دونه.

وكذا سمعته يحكي ما رُزِقَهُ الشَّاطبيُّ مِنَ القَبُول في "لاميَّته" بحيث إن أبا حيَّان رام مزاحمته في ذلك، فعمل قصيدة سماها "عقد اللآلي في القراآت السبع العوالي" فصرَّح فيها بالقُرَّاءِ مِنْ غير رمزٍ، والتمس مِنْ ولدِه حفظها، فما أجابَ لذلك، وحفظ "الشَّاطبية".


(١) ص ١٠٠١ - ١٠٠٢.
(٢) ٤/ ٣١٨.
(٣) في الدرر الكامنة ٣/ ١٩٥.