للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السِّتارة، والكمال قريبٌ منه، واتفق مجيءُ سبط شيخنا، فوقف قريبًا مِنْ جدِّه، ثم طلب الكمال مِنْ شيخنا شيئًا، فأخرج له مِنْ جيبه -فيما أظنُّ- دينارًا، ثم قال له: وأيضًا، فأعطاه آخر، ثم طلب أيضًا، فأعطاه آخر، واستمر هكذا إلى أن استوفى، إما سبعة، فيما يغلب على الظنِّ، أو ستة، وأهابُ أن أجزِمَ بأنَّها مجموعُ ما كان في جيبه، فلما صارت بيده، أدارها في كفِّه، ثم دفعها للسِّبط، فاستمرت معه يسيرًا، ثم أخذها منه بعزمٍ وهو يصيح ويقول له: هو لا يسهُلُ عليه أن يعطيها، وأعادها لشيخِنا قائلًا له: خذها وقم عنا، وصار يكرِّرُ ذلك حتَّى تغيَّر لونُ شيخنا مِنْ صنيعه، وقام فدخل وانصرفنا. فلم يلبث رحمه اللَّه تعالى إلَّا يسيرًا بعد ذلك جدًا، ثم عزل، وأقام يسيرًا، ثم مات، فكانت حياتُه بعد هذه الواقعة عددَ القَدْرِ، إمَّا سبعة أو ستة كما تقدم. وبعد هذا المجلس صار شيخُنا يذكُر الكمالَ بالجميل، ويقول: كنتُ أعرفه بمصر على خيرٍ يحفظ "التَّنبيه" و"الألفية"، وربما أرسل إليه الكمال بعضَ مَنْ يروم منه شيئًا مِنَ الدُّنيا لوفاء دَينِه ونحو ذلك، فيقول شيخنا للشهاب بن يعقوب: صالح عنَّا قاصِدَ الشَّيخ. رحمهم اللَّه تعالى وإيانا.

ولمَّا مرض رحمه اللَّه -كما أسلفنا- في ذي القعدة، حضر مجلسَ الإملاء في حادي عشره، ورجع إلى الحلبيَّة، فأقام عندها إلى أن تعشَّى، ثم رجع إلى منزله، فقدَّموا له العشاء، فما امتنع مِنَ الأكل مراعاةً لخاطر أهله، فثَقُل لملك عليه (بحيث تقيأ) (١) وتغيَّر مزاجُه، وأصبح يومَ الأربعاء ضعيفَ الحركة، فحضر الجماعة للتوجه في خدمته على العادة بجامع طولُون، فما استطع، واستمر مكتُومًا ولا يعلم به كثير أحدٍ، وهو يطلع إلى المدرسة للصَّلوات والإقراء على العادة، بل حضر مجلسَ الإملاء في يوم الثُّلاثاء خامس عشري الشَّهر المذكور، فأملى مجلسًا وهو متوعِّكٌ، ثم اشتدَّ به الوعك وتضرَّر بالكتمان كثيرًا، وخشي الأطباءُ أن يناولوه مسهلًا لأجل سنِّه، فأشير بلبن الحليب، فتناوله فلانت الطَّبيعة قليلًا، وأدى ذلك إلى نشاط يسيرٍ ونوع خِفَّةٍ، وصار مسرورًا بذلك، فيقول: خرج جُوَيْزات وبُنَيْدقاتُ ونحو ذلك.


(١) ما بين قوسين ساقط مِنْ (أ).