للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ظني أنَّه ما بعد جنازة التقي ابن تيمية أحفل منها، وما رأينا أحدًا مِنَ الشُّيوخ يذكر أنَّه رأى مثلَها، بل ولا ما يقاربُها، حتى بلغني عن الشَّيخ شمس الدين النَّشائي أَنَّه حضَر جنازة البُلقيني ولم تكن كهذه.

وتولى الأُمراء مقدَّموا الألُوف حمل جنازته. وكان جهد الشخص الشَّديد الذي يتمكَّنُ مِنَ الوصول إلى نعشه، أن يمسَّ النَّعشَ برأس إصبعه.

وساروا وعلى مشهده مِنَ الخفر والسُّكونِ والتُّؤدة والمهابة والجلالة ما لا يعبَّر عنه، إلى أن وصلوا إلى سبيل المُومني، وافترق النَّاسُ سماطين، واجتاز نعشه مِنْ بينهما، فكانت هيئةً مهولة. وقال بعضُ طلبته حينئذٍ مواجهًا للسَّفطي: قتلُوه قاتلهم اللَّه، وأمن على دعائه.

وتلقَّى السُّلطانُ جنازنه ليشهد الصَّلاة عليه، ورام قاضي القُضاة علم الدين البُلقيني الصلاة عليه إمامًا، فأخَّره السلطان، وأشار إلى أمير المؤمنين الخليفة العباسي بالتقدُّم، ويقال: إنه قال: هو أمير المؤمنين وأنت أمير المؤمنين، فصلى بالناس عليه. وكذا لما حضر شيخُنا صاحبُ التَّرجمة الصلاة على القاياتي، قدَّم السُّلطانُ أمير المؤمنين.

وتوجهوا بشيخنا إلى المحل الذي عُيِّنَ لدفنه، ومعه أيضًا مِنَ الخلْقِ المشاةُ مَنْ لا يحصيهم إلا اللَّه تعالى، حتى جاوزوا قبة الإمام الشَّافعي رضي اللَّه عنه، وانتهوا إلى تُربة بني الخرُّوبي المقابلة لجامع الدَّيملي والسَّروتين، فدفنوه هناك بمقصورةٍ صدْرَ التُّربة المذكورة مِنْ جهة يسار القبلة في فُسقيَّة فيها غيرُه، وكرهنا له ذلك، وهو فما كان أشدَّ إنكاره -رحمه اللَّه ورضي اللَّه عنه- لمثل هذا، واللَّه يعفو عمن أشار بذلك، وزعم أنَّه أوصى به، فإنَّ هذا شيءٌ اختلقه التماسًا لمرضاة ولده وعياله، والذي وُجِدَ في بعض وصاياه السَّابقة الوصيَّة بدفنه بحوش والده، وهو بتلك النواحي أيضًا، لكن اعتُذِرَ عَنْ ذلك بما لا يسوى سماعُه، ولو وُفِّقَ القائمُ بأعباء هذا الأمر


= "الزهر النضر في نبأ الخضر" استقصى أقوال العلماء في هذه المسألة وأدلتهم، ثم قال: والذي تميل إليه النفس مِنْ حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام مِنْ استمرار حياته.