للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[رثاء البقاعي لابن حجر]]

فمنهم برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي، فأنشدنى مِنْ لفظه قولَه:

رُزْء ألَمَّ فقلتُ: الدَّهرُ في وَهَجٍ ... وأعْقَلُ النَّاسِ مَنْسُوبٌ إلى الهَوَجِ

وللقلوب وجيبٌ في مَرَاكِزِها ... يَهُولُ فهو بتَشقيق الصُّدُورِ حَجِي

وللعُيُونِ انهِمَالٌ كالغَمَامِ بُكًا ... فكُلُّ فجٍّ به غالٍ مِنَ اللَّجَجي

يا واحِدَ العَصْرِ يا مَنْ لا نَظِيرَ لَهُ ... إذْ كُلُّ شَخْصٍ مِنَ الأمْثَالِ في لَجَجِ

يا شَيْخَ الاسْلامِ يَا مَوْلَى لَقَدْ خَضَعَتْ ... غُلْبُ الرِّجَالِ لِمَا تُبْدي مِنَ الحُجَجِ

يا بَرَّ حِلْمٍ بُحُورُ العِلْمِ قَدْ تُرِكَتْ ... لمَّا سَمِعنَا بَدَاعي نَعْيِكَ السَّمِجِ

أصَمَّ أسماعَنَا لما تلا سَحَرًا: ... قَدْ مَاتَ مِنْ تُهزَم الأهْوالُ حِينَ يَجِي

قاضي القُضاةِ المُفَدَّى مِنْ بَني حَجَرٍ ... مَنْ خلْقُه لَيْس في شَيْءٍ مِنَ الحَرَجِ

فَلَوْ رضي الدَّهْر مِنَّا فِدْيَةً عَظُمَتْ ... إذًا -وحَقِّكَ- جُدْنَا فِيكَ بالمُهَجِ

ولو حُمِيتَ بضَرْبِ السَّيْفِ ما وَجَدَتْ ... لَهَا المَنَايَا إِلَيْكَ الدَّهْرَ مِنْ وَلَجِ

في حَقِّ عَهْدِكَ ما زِلنَا ذَوِي شَغَفٍ ... بِعَهْدِ وُدٍّ لَكُم بالرُّوح مُمْتَزِجِ

خَفَّتْ سَجَايَاكَ والألْبَابُ قَدْ رَجَحَتْ ... بِها نُهاك عن الإحْصَاءِ بالسَّبَجِ (١)

ألفتَ يَا حُلْوُ مُرَّ الصَّبْرِ تَرْشُفُهُ ... فأنْتَ للصَّبْرِ صَبٌّ بالغَرامِ شَجِ

مَنْ لِلْقِيَامِ بِجُنْحِ اللَّيْلِ مُجْتَهِدًا ... يَبِيتُ تَرفَعه آياتُ ذِي الدَّرَج

تُعْلي النَّحِيبَ خُضُوعًا والأسَى قَلَقًا ... كأنَّه في الدَّيَاجِي بالحرَابِ وُجِي (٢)

قَدْ كَانَ مِصْرُكَ لَيْلًا كالنَّهارِ بِه ... شِهَابُ فَضْلِكَ يُغْنِيه عَنِ السُّرُج

والْيَوْمَ بَعْدَكَ مِثْلُ اللَّيْلِ فِي سَدَفٍ ... (٣) يَا لَهْفَ قَلْبي فَمَا صُبْحٌ بمُنْبَلِجِ


(١) السبج: كساء أسود.
(٢) وجي، مِنْ "وجأ"، أي: ضرب وطعن بالحراب.
(٣) السدف: الظُّلمة.