للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولَّاه ذلك واقفها في رجب سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وعمل فيها مجلسًا بحضرة الواقف والأكابر، تكلَّم فيه على حديث "مَنْ بنى للَّه مسجدًا"، وقال: عندي من طرقه (١)، وعيَّن عددًا، فقال له القِمَني -وكان حاضرًا-: قل ما شئت، فلا ينازعُك فيه أحد، يشير إلى انفراد صاحب الترجمة بذلك، مع أنه لمَّا استشعر إرادة شيءٍ بمقالته، قال له: أحضِر محبرةً، وأكتب كل ما أقول، يظهر لك صحَّته بعد ذلك، وما أظن القِمَني أراد إِلَّا الأول.

وبلغني أن القِمَني على عنه فى أثناء الكلام، فقال له شيخُنا: صه، فقال له القمني: مه!

وامتدح شيخُنا واقفَ المدرسة شكرًا له على توليته ذلك بقصيدة أولها:

يا سيِّدَ الأُمراء يا كنزَ الورى ... وعزيزَ مصر ومَنْ به فخرت حلبْ

العبد قد وافى ليشكُر أنعمًا ... وقعت له مِنْ جودكم وفق الطَّلبْ

ومهنئًا بالشَّهر بل يهنأ بكم ... شهرٌ ودهرٌ كلُّه بكم رجبْ

صُبَّت على النَّاس المكارمُ منكم ... ديمًا فلا يختصُّ شهرٌ بالأصبْ

وكان من جملة الطلبة عنده فيه العلامة كمال الدين محمد بن محمد بن حسن الشُّمُنِّي، فلمَّا ولي صاحب الترجمة درس الفقه بالشَّيخونية، وتشاغل به عن درس الجمالية، وكان أمثل جماعته بالجمالية الكمال المذكور، وليس بيده تدريسٌ، عرض عليه صاحبُ الترجمة مع بعض أصحابه أن يرغب له عنه بخمسين ناصريًّا، يدفع له ما يكونُ معه مِنْ ذلك إن كان، ويستنسخُه بالباقي. هذا بعد أن قيل: إنه أُعطيَ فيها مائةَ ناصريّ، فأجاب ودفع له نحو عشرين ناصريًا، وأشهد بالباقي، وذلك في سنة تسع عشرة وثمانمائة، فاتفق أنَّ الكمال مات عن قُربٍ، وخرجت الوظيفةُ عَنْ ولده، -وهو شيخنا المحقِّقُ تقيُّ الدين أحمدَ الشُّمُنِّي، وكان إذ ذاك


(١) في (ط): "طريقه".