للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دروسه، فألفيته نقل كلام الأصبهانيِّ والبغويِّ والبيضاويِّ والثَّعلبيِّ والزَّمخشريِّ والسَّمرقنديِّ والسَّمين والفخر الرَّازي والقُرطبي والماوردي والواحدي وابن بريزة وابن جرير وابن ظفر وابن كثير وابن النقيب ومحمود الزنجاني وأبي حيان، لا على هذا الترتب، بل ينظر (١) الأقدم فالأقدم. وهذا ما وقع له في تلك الآية خاصّة، وإلَّا فهو ينظرُ أكثر مِنْ هذه، فإذا رأى التَّفاسير التي في ملكه وتحت نظره، أخذ حينئذ في إبداء ما عنده، ولم يقل قط: أنا لا أنظرُ في تفسيبر، خوفًا من وقوف قريحتي، ولا يُصَدِّرُ بكلام نفسه، ثم يقول: وقد وافقني فلان، ولم أقف على كلامه إِلَّا بعد مقالتي، ولا قال: انظر إلى كلامي وكلامِ الفخر الرَّازي، وما أشبه ذلك مِنَ الخرافات التي تحاشى العقلاء عَنْ صدورها، نسأل اللَّه السلامة.

وقد سمعتُ مِنْ لفظ صاحب الترجمة أنه تتبَّع رؤوس الآيات مِنْ أول القرآن إلى آخره، فوجد حروف المعجم قد اجتمعت في أواخرها إِلَّا إلخاء المعجمة، وأفاد أنه اشتهر أنه ليس في القرآن آية متأخرة الحكم وهي متقدمة في التِّلاوة، وكلاهما مِنْ سورةٍ واحدة إِلَّا الآية التي في "البقرة" في عدَّة المرأة، وهي قوله: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: ٢٤٠]، وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [البقرة: ٢٣٤]، فإنَّ الثانية مقدَّمة في التلاوة، والأولى مؤخَّرة في التلاوة، والحكم على المقدَّمة دون المؤخَّرة. وألحق بعضُهم بها موضعًا آخر في الأحزاب على رأي، وهو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآية [الأحزاب: ٥٠]، مع قوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: ٥٢]. قالت عائشة رضي اللَّه عنها ما مات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتَّى أحل له النساء، وقيل: هو على ظاهره في التِّلاوة. انتهى، وهو كلام متَّجه.

ورأيته نقل عن أبي العلاء المعري أنَّ أكثر ما وقف عليه في القرآن مِنْ توالي الحروف المتحرِّكة التي لا يتخفلها حرفٌ ساكن ثمانية أحرف، ومثَّل


(١) في (ط): "يتظهر" وفي هامشها: "ينظر".