للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحسن، وأوجب سقمه على خده فَرْضَ الدمع من بعد أن حرّم على جفنه وسَنّ، وأنشد سقمه العافية الذاهبة:

ما كان يَغدُوكَ المُنى ... لو قيل يومًا تَمَنْ

وحبته الأسقام بحبّات قلوبها، وألحقته سماء الأمراض بنجومها المشرقة في جسمه، فمتى أوانُ غروبها؟ ولقد لقي من حَرَبِ هذا الجَرَبِ شرَّ نصب، ووجد لما سكب في جسمه الماء مِنْ نار حشاه وصبّ، ومضى عنه جوهرُ العافية بهذا العَرَضِ وذهب، واستيقظ له نائمُ سُقَامه، فأهدى لقلبه الأسى ولجسمه السقام وهَب، ولقد أحجم مِنْ بعد الإقدام، وصار كفُّه من ناره في إسراج، ولسُانه عن عنان القول في إلجام، وزاد على عامَّة الأطباء حقدًا، ويصفون له التداوي بالكبريت، ولا يظنُّه يزيدُ النَّار إلا وقدًا، ومذ رأى جسمه معمرًا بالحبِّ، علم أنه مخرَّب، وحين دخل مِنْ باب الحكّة. أيقن أنه مجرَّب، ومع هذا، فالمملوك لا يشتكي إلا إلى اللَّه عز وجل، وإن وجد قلبه مِنْ صبره لما عزَّ وجلّ.

ولا يُنكر سيدنا ما تقدم مِنْ هذا الهذيان، فإنه هِجِّيرُ السَّقيم، وُيسبل عليه سِتر حلمه، فما يغطي على جهل الجهول سوى حلم الحليم، ويتصدق مع حاملها بالمجموعة المجديّة، فقد صبر عنها ما كفاه، ولا يشكُّ أن في مطالعتها عافيته، لما اجتمع (من الثناء) (١) عليها من ألسن وشِفاه، لا برح له في دعاء المولى إلى العافية خير سبب، ولا زال مولانا كنزًا لجواهر الأدب يستغني به إلى أن يستغني عن الأدب.

ومنه ما كتب به للمجد ابن مكانس مع قصيدة سينية:

يقبّل الأرض، وإن كان لا يُقنعه (٢) إلا مِنْ قُربٍ ذلك التقبيل، ويواصل بالأدعية الصالحة، وإن لم يكن مِنْ أهل ذاك القبيل، ويُنهي أنه


(١) ساقطة من (ب).
(٢) في (ط): "يرضيه".