للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل يقول: هذا الحديث صحيح الإسناد فقط، أو يقول: لولا فلان أو جهالة فلان، لحكمتُ للحديث بالصِّحَّة، وإن كان الثاني، فيخرُج موضوعُ الكتاب عن أن يكون مستدركًا عليهما أو أحدهما. ثم ما المراد بشرطِهما؟

فأجاب بأن تصرُّفَه يقتضي أنَّه بنى على الثاني، وهو الأعمُّ، ويُعتَذَرُ عما أُورِد عليه أنَّ الكتاب بذلك يخرج عَنْ أن يكونَ مستدركًا على "الصحيحين" بأن يقال: الأصلُ فيه أن يُخرِّج ما يُستدرك به على "الصحيحين" (١)، وما زاد على ذلك، فهو بطريق التَّبعيةِ، لقصد تحصيل ما يمكن أن يُطْلَقَ عليه اسم الصَّحيح، ولو على أدنى الوجوه.

وأمَّا المرادُ بقوله: على شرط فلان، فقد وقفتُ للعلامة الحافظ قُدوةِ الفقهاء والمحدثين صلاح الدين العلائي شيخ شُيوخنا تغمده اللَّه برحمته في مقدمة كتاب "الأحكام" لهذا الغرض على كَلام (٢) في غاية الإتقان، بحيثُ لا مزيدَ عليه في الحُسْنِ، والذي اختارَهُ رجحانَ القول بأنَّ مُرادَ الحاكم بقوله: على شرط فلان، أنَّ رجال ذلك السند يكون مِنْ نسب إليه الشرط أخرج لكل منهم احتجاجًا. هذا هو الأصل، وقد يتسامَحُ الحاكمُ، فيُغضي عَنْ مَنْ يتَّفق أنه وقع في السند ممَّن هو في مرتبة مَنْ أخرج له، وإن لم يكن عيَّنَه، وذلك قليل بالنِّسبة إلى المثل، وتراه ينوِّعُ العبارةَ، فتارة يقول: على شرطهما، وذلك حيثُ يتفرَّدُ أحدهما بالتخريج لراوٍ مِنْ ذلك السند، كعكرمة بالنِّسبة للبخاري، وحمادِ بن سلمة بالنسبة لمسلم؛ ففي الأول يقول: على شرط البخاري، وفي الثاني يقول: على شرط مسلم، كما لو اتفق أنهما أخرجا للجميع، فيقول: على شرطهما. ومتى كان أكثرُ السَّندِ ممَّن لم يخرِّجا له، قال: صحيح الإسناد ولا ينسُبُه إلى شرطِ واحدٍ منهما، وربما أورد الخبر، ولا يتكلَّمُ عليه، فكأنَّه أراد تحصيلَه، وأخَّرَ التَّنقيب عليه، فعوجل بالموت مِنْ قبلِ أن يتقن ذلك، وقد وقفتُ على


(١) في (ب): "الصحيح".
(٢) في (ب) و"جمان الدرر": "لهذا الغرض كلامًا" وكانت كذلك في (ح)، ثم شطب عليها المصنف، وكتبها في الهامش كما هنا.