للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصَّحيح يُشْتَرَطُ أن يكون موصوفًا بالضَّبط الكامل، وراوي الحسن لا يُشترط أن يبلُغَ تلك الدرجة، وإن كان ليس عريًّا عن الضبط في الجملة، ليخرج عن كونِه مغفَّلًا، وعن كونه كثيرَ الخطأ. وما عدا ذلك مِنْ الأوصاف المشترطة في الصحيح، كالصِّدق والاتصال وعدم كونه شاذًا ولا معلولًا، فلا بدَّ مِنَ اشتراط ذلك كلِّه في النوعين.

ومِنْ ثم كانت طائفةٌ مِنَ القدماء لا يفرِّقُون بين الصَّحيح والحسن، بل يسمُّون الكُلَّ صحيحًا، وإن كان بعضُها أصحَّ مِنْ بعض. وذهبت طائفة إلى التفرقة، وهو الذي استقر عليه الأمر.

والنزاع في التَّحقيق [بين الفريقين] (١) لفظي، لأنَّ مَنْ يفرِّقُ بينهما تظهر ثمرةُ تفريقه فيما إذا تعارضا، فيرجِّحُ الصحيح على الحسن، ومَنْ لا يفرِّق بينهما، يسلُك هذا التَّرجيح بعينه، وإن سمى الكلَّ صحيحًا، فيكون عنده صحيحٌ وأصحُّ منه كما عند غيره حسنٌ وصحيحٌ.

وإذا وضح ذلك، فإنِّما حصلَ الإشكالُ مِنَ الحَسَنِ الذي عرَّف به التِّرمذي، وهو الحسنُ لغيره، فذلك هو في التَّحقيق الحديثُ الضَّعيف الذي يُحْتَمَلُ، لأنَّه باعتضاده بغيره حدثت (له) (٢) مِنَ المجموع قوَّةٌ احتمل ذلك الضعف لأجلها، واقتضى تسميته عند الترمذي وغيره حسنًا، وذلك بيِّنٌ مِنْ تعريف الترمذي، حيث قال في "العلل" التي في آخر "الجامع" ما نصُّه: وما قلنا في كتابنا: حديث حسنٌ، فإنَّما أردنا حُسْنَ إسناده عندنا كل حديث يُروى لا يكونُ راويه متَّهمًا بالكذب، ويروى مِنْ غيرِ وجهٍ نحوه. ولا يكونُ شاذًا، فهو عندنا حسن.

فقوله: "لا يكون روايه متَّهمًا بالكذب" يشمل رواية المستور والمدلِّس والمعنعن والمنقطع بين ثقتين حافظين، كالمرسل. فكل هذا إذا ورد اقتضى التوقُّف في الاحتجاج به للجهل بحال المذكور فيه أو السَّاقط؟ فإن ورد مثلُه أو معناه مِنْ طريقٍ أخرى أو أكثر، فإنها تُرجِّحُ أحدَ الاحتمالين: لأنَّ المستور مثلًا حيث يروي يحتملُ أن يكونَ ضبَطَ المرويَّ، ويحتمل أن لا


(١) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ).
(٢) إضافة مِنْ الأسئلة الفائقة ص ٦٥.