للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن يطرُقه احتمالُ الجمع بأن يكون ذلك بالنِّسبة لمن لم يصرِّح بأفضليتها منهن، فيكون المراد بقوله: "على النِّساء"، أي مِنْ عدا الأربعة، وذلك جائزٌ في طريق الجمع.

ومن النظري، كثرةُ ما نقل عنها مِنَ الحديث، فحصل الانتفاعُ به في الأحكام الشَّرعيَّة، وتلقَّوه بالقبُول، واحتجُّوا به، ووافقها على كثيرٍ منه كثيرٌ مِنَ الصَّحابة رضي اللَّه عنهم، وانفردت منه بأشياء كثيرةٍ يلزَمُ منه تكثيرُ أجرها، لأنَّ مَنْ علم علمًا فله أجرُه وأجرُ مَنْ عمل به إلى يوم القيامة. ولا يخفى أنَّ كثرة الأجر يُوجبُ التفضيل.

واعترض على ما استدلَّ به للزهراء رضي اللَّه عنها أنَّ أخواتها زينبَ ورقيَّة وأمَّ كلثوم رضي اللَّه عنهن يشاركنها في الصِّفة المذكورة، لأن كلًّا منهن بَضْعَةٌ منه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنَّمَا يفيد التَّفضيلَ بأمرٍ يختصُّ به المفضَّلُ على غيره.

وأجاب مِنْ فضَّلَ الزَّهراء رضي اللَّه عنها بأنها امتازت عن أخواتها بأنهنَّ مِتْنَ في حياته -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكنَّ في صحيفته، ومات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياة الزَّهراء، فكان في صحيفتها، ولا يُقدَّرُ قدرُ ذلك، فقد جاء عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن المسلمين لم يصابوا مثل مصابهم، فمن وقع له ذلك وصبر واحتسب، حصل له مِنَ الأجرِ بقدر مُصابه، والمصابُ به لا يُقدَّر قدرُه، فانفردت الزَّهراءُ رضي اللَّه عنها دُون سائر بناته، فامتازت بذلك بأن بشَّرها في مرض موته بأنَّها سيِّدةُ نساءِ أهلِ الجنَّة، أي: مِنْ أهلِ هذه الأمَّة المحمدية، وبأنها أولُ أهلِه لُحوقًا به.

وقدِ انضافَ إلى فاطمةَ رضي اللَّه عنها مِنْ هذا الجنس ما امتازت به على أمهات المؤمنين اللاتي مات النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهنَّ موجودات، لأن مصيبتهن به في صحائفهنَّ، وذلك أنَّها أُصيبت أولًا بأمِّها خديجة رضي اللَّه عنها، والمصابُ بها عظيمٌ جدًا، لأنَّها أفضلُ أمَّهات المؤمنين، لأنها أولُ مَنْ أسلمَ مطلقًا وأوَّلُ مَنْ نصرَ دين الإسلام مِنَ النِّساء، فلها مِنْ كلِّ مَنْ شاركها في شيءٍ مِنْ ذلك بعد ذلك مِنَ الأجر مثلُ ما لهُ. ويُعْرَفُ بذلك أنَّ الذي يتحصَّلُ لها مِنَ الأجور لا يعرف، ويدخُلُ في عموم مَنْ جاء بعدها عائشة